سمير البرغوثي
لم يتوقع أعتى عتاة الصهاينة، أن يكون الفلسطينيون على قلب رجل واحد كما هم اليوم، فالتضامن من أجل الأقصى والقدس وغزة، صهر الفلسطينيين في قالب وحدة وطنية لم يشهدها الوطن الفلسطيني بكل مكوناته منذ رحيل آخر جندي عثماني عام 1918 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ووقوع فلسطين تحت أسوأ استعمار عرفه التاريخ، وهو الاستعمار البريطاني الذي يعمل وفق مبدأ «فرق تسد» فأوجد إقليم الضفة، وإقليم غزة، وإقليم الساحل والجبل، ولو لم يكن لديه مشروع تسليم فلسطين وطن قومي ليهود، لوجدنا فلسطين التاريخية كما حال بعض الدول التي رضخت لضعف أو لخوف وقبلت التقسيم.
الوحدة التي تشهدها فلسطين بكل مكوناتها ومدنها وخروجها وإعلانها الإضراب تضامنا مع الأقصى وغزة، تأكيد على أصالة هذا الشعب ورفضه لكل الحلول التي لا تعيد له حقه في وطنه، الذي سلب منه قبل اثنين وسبعين عاما.
تعيش فلسطين في هذه المرحلة أخطر وأدق المراحل، انتظارا للوعد الإلهي في التوراة والقرآن، برحيل آخر يهودي جاؤوا به إلى فلسطين، من الشتات الذي كتب عليه ليعود إلى التيه الذي كتب عليه لقتله الأنبياء والكفر بما جاء به موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم.
الشعب الفلسطيني أثبت بوحدته ومقاومته أنه شعب يستحق الحياة، ويستحق الوطن الذي جاء عمر بن الخطاب من المدينة المنورة إلى بيت المقدس ماشيا، ليتسلم مفاتيح المدينة المقدسة.
شعب فلسطين يستحق الوطن الذي عمل صلاح الدين الأيوبي على تحريره من الصليبيين بعد ان عمل عشرين عاما، وهو يعيد وحدة المسلمين ليوم الفصل الجمعة 3/ تشرين أول سنة 1187م، الذي يوافق ذكرى الإسراء والمعراج، ودخل العرب المسلمون المدينة المقدسة، وخرج الصليبيون في مشهد انكسار ظل يراودهم إلى ان جاء أللنبي ودخل المدينة المقدسة ويواصل زحفه حتى وصل دمشق ليقف على قبر صلاح الدين ويقول له «انهض يا صلاح الدين ها قد عدنا».
شعب يستحق الحياة ووطن قدم آلاف الشهداء منذ وعد بلفور 1917 حتى معركة سيف القدس، 2021 التي انتصرت فيها المقاومة وتوحد فيها الشعب الفلسطيني في انتفاضة عارمة نوعية، تدعو من يتطلع إلى قيادة هذا الشعب ان يرتقى إلى المستوى الذي أدار فيه انتفاضته ومعركته وحقق أهدافه في حماية الشيخ جراح والأقصى وإعادة القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء واهتمام عالمي لم يكن ليكون لولا الضربة الموقعة التي وجهتها المقاومة للعدو الصهيوني.
اليوم فرحت أرواح الشهداء محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي أول ثلاثة شهداء سقطوا عام 1929 في مواجهة المشروع الصهيوني، اليوم جاءت روح الشهيد حسن سلامة وابنه علي أبو حسن سلامة وروح الشهيد عبد الرحيم محمود ينشد بفخر
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدا
جاءت أرواح رموز النضال ياسر عرفات وأحمد ياسين والرنتيسي وغسان كنفاني وكمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار وماجد أبو شرار، وخليل الوزير أبو جهاد وابو أياد وأبو علي مصطفى، وآلاف الشهداء تعلن فرحتها بالثأر لها في معركة سيف القدس التي لا بد ان تتواصل، فهذا العدو الصهيوني لا يخشى الا القوة، والمعركة لم تنته، وتحرير فلسطين يحتاج إلى هذه الوحدة والى استراتيجية جديدة صاغت المقاومة بنودها بالدم والعرق.