خالد وليد محمود
باحث دكتوراه
في العلوم السياسية
هل تعلمون - يا رعاكم الله - أن مجموعة «غافا» التي تشير أحرفها لشركات غوغل، أمازون، فيسبوك وأبل، تسيطر وتتصيد وتراقب وتنتهك خصوصياتنا نحن سكان المعمورة وتسيطر على سلوك وعقول ما يربو عن أربعة مليارات مستخدم لمنصات التواصل الاجتماعي. وهل تعلمون أن عالم الاستبداد الرقمي أو ما يسمى بدكتاتورية الخوارزميات خَلَق لكل مستخدم لهذه المنصات قرينا افتراضيا يُلازم شخصيته الواقعيّة، وترك بصماتٍ رقمية مميّزة لأبسط أنشطته اليومية وأعقدها وممارسات حياته التي يتفاعل من خلالها مع التطبيقات الذكيّة.
إنّ شركات الإنترنت العملاقة هذه مثل مجموعة غافا، ومع الثقة شبه العمياء التي يضعها المستخدمون في منتجاتها؛ فإنّ كميّة المعلومات التي تمرّ عبر أجهزتها وأنظمتها تقدّم لها تقريراً مفصلاً عن مستخدميها.
هي إذن مصيدة المراقبة الإلكترونية التي وقعنا بها بكامل رغباتنا بعدما صارت الشبكة العنكبوتية جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، وأوقعت خصوصياتنا أمام الخوارزمية «الفيسبوكية» وبتنا مراقبين تحت أنظار العاملين في «الإمبراطورية الزرقاء» التي تعرف علاقات مستخدميها العاطفية، ووجباتهم المفضلة، أفلامهم قراءاتهم وآراءهم وبمن يتواصلون عبر «انستغرام» وتويتر وواتساب وإيمو..إلخ....يعرفون كل الأرقام التي نقوم بحفظها على هواتفنا.
لا نبالغ بالقول بأن هذه الشركات العملاقة تعرف عنك ما الذي تبحث عنه، وما الذي تشتريه، وأي أخبار تستهويك، وأي مقطع من كتاب تريد، وإلى أي جهة تحب أن تسافر، وما صحيفتك المفضلة، ومكتب السفريات الذي تتعامل معه، والأشخاص الذين تراسلهم، وماذا تقول لهم، وما اللغات التي تترجم منها، وأي نوع من المعلومات، وأي مواد وصور تحب الاحتفاظ بها على سحابتها، والألعاب التي تسليك والأهم مواعيدك التي تبرمجها وتتبع مكان وجودك، والتطبيقات التي ثبتها على حاسوبك، ومتى تستخدمها، وفي أي شيء تستخدمها، ومتى استخدمت كاميرا الويب أو المايكروفون، وجهات اتصالك، وبريدك الإلكتروني وروزنامتك، وسجل مكالماتك، والرسائل التي أرسلتها أو استقبلتها.. وأزيدك من الشعر بيتاً؛ فإنّ «غوغل» مثلا تحتفظ بكل بريد إلكتروني أرسلته أو استلمته، بما في ذلك الرسائل التي حذفتها أو صنفتها أنها غير مرغوبة!
إنّ البشرية تعايش مصائد الثورة الصناعيّة الرّابعة التي تتربص بسلوكنا وأذواقنا واتجاهاتنا ورغباتنا، لقد أضحينا نتعامل مع مسلّمة وجود «الكلّ تحت المُراقَبة»، لكن في الوقت نفسه لا نعرف هويّة وماهية هذا المراقب أو هذه القوة ولا حتّى مَوقعها من السلطة. ومع ذلك، تبقى فُرص الانعتاق من الدكتاتورية الرقميّة أو فاشية الخوارزميات مطروحة للنقاش لا بل مطروحة بشدة هذه الأيام.