+ A
A -
أدهم شرقاويكان القاضي عبد الوهاب إمام أهل بغداد في زمانه، ولكنه كان فقيراً جداً لا يجدُ قوت يومه، فعزمَ على الخروج من بغداد إلى مصر علَّ الله يجعل له هناك مخرجاً من ضيق رزقه، فحزمَ متاعه وخرجَ، وعندما صار على مشارف بغداد مرَّ على مكان فيه شجر، وكان هناك حطابان يقطعان الشجر ليبيعاه حطباً للناس، فقال أحد الحطابين لصاحبه: كيف يقولُ عبد الله بن عبَّاس بالاستثناء المنقطع في اليمين ولو بعد مرور سنة، والله سبحانه يقول عن أيوب عليه السلام لما مرضَ، وضاقَ صدره، وأقسمَ أن يجلد زوجته مائة جلدة، فلما شفيَ وأراد أن يبرَّ بدينه، أوحى الله إليه أن يأخذ مائة عودٍ ويضربها ضربة واحدة وقال سبحانه: «وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ»
فقال القاضي عبد الوهاب: مدينة يُناقش حطابوها ابن عبَّاسٍ في القرآن واللهِ لا يُخرجُ منها!
فعادَ إلى بيته، ولكن بقيت حاله على ما هيَ عليه فقرر الخروج مرةً أخرى، فتبعه الناس يحاولون أن يثنوه، فالتفتَ إليهم وقال: يا أهل بغداد لو وجدتُ منكم كل يوم رغيفاً ما تركتكم!
فلم يتكفل أحد منهم له برغيف!
فلما وصل إلى مصر، أكرمه سلطانها وأهلها، وعرفوا قيمته، وفُتحتْ له الدنيا، وصار المال في يده كثيراً، ومرضَ مرضاً شديداً ماتَ فيه، فقال وهو على فراش الموت: لما عشنا متنا!
تضيقُ الدنيا بالصالحين كما تضيقُ بالطالحين، وقد افتقرَ كثيرٌ من العلماء والفقهاء، ولا غرابة وقد كان يمرُّ الشهر والشهران ولا يوقدُ في بيت النبيِّ صلى الله عليه وسلم نار لطعام، فلم يكن لهم ما يبقيهم على قيد الحياة إلا التمر والماء!
كان الخليل بن أحمد الفراهيدي لا يملكُ إلا ثوبه وحذاءه وطلابه يجنون من علمه الذي علمهم إياه الدنانير بالآلاف!
وكان أبو عمرو بن العلاء إمام النحو في زمانه لا يجد قوت عياله!
وكان البخاري إمام الدنيا كلها وهو في فقر شديد!
ومن قبل كان حذيفة بن اليمان وأبو هريرة من أهل الصُّفة ينتظرون ما يجود به الأكارم ليسدوا جوعهم!
وقد قرأتُ كثيراً في سير العلماء والفقهاء فما وجدتُ واحداً منهم فاحش الثراء إلا الليث بن سعد! أما البقية فكانوا بين فقر شديد وتوسط في الحال، اللهمَّ إلا أولئك الذين تولوا مناصب رسمية في الدولة فكانت رواتبهم عالية، كالكسائي وأبو يوسف القاضي، وإلا فهؤلاء أيضاً جاؤوا من بيئة فقيرة!
هذا لنعلم أن الدنيا ليست معياراً للتفاضل بين الناس، ولا أحد منا يعلم اسم أغنى رجلٍ في زمن البخاري ولكننا جميعاً نعلمُ من هو البخاري!
فقال القاضي عبد الوهاب: مدينة يُناقش حطابوها ابن عبَّاسٍ في القرآن واللهِ لا يُخرجُ منها!
فعادَ إلى بيته، ولكن بقيت حاله على ما هيَ عليه فقرر الخروج مرةً أخرى، فتبعه الناس يحاولون أن يثنوه، فالتفتَ إليهم وقال: يا أهل بغداد لو وجدتُ منكم كل يوم رغيفاً ما تركتكم!
فلم يتكفل أحد منهم له برغيف!
فلما وصل إلى مصر، أكرمه سلطانها وأهلها، وعرفوا قيمته، وفُتحتْ له الدنيا، وصار المال في يده كثيراً، ومرضَ مرضاً شديداً ماتَ فيه، فقال وهو على فراش الموت: لما عشنا متنا!
تضيقُ الدنيا بالصالحين كما تضيقُ بالطالحين، وقد افتقرَ كثيرٌ من العلماء والفقهاء، ولا غرابة وقد كان يمرُّ الشهر والشهران ولا يوقدُ في بيت النبيِّ صلى الله عليه وسلم نار لطعام، فلم يكن لهم ما يبقيهم على قيد الحياة إلا التمر والماء!
كان الخليل بن أحمد الفراهيدي لا يملكُ إلا ثوبه وحذاءه وطلابه يجنون من علمه الذي علمهم إياه الدنانير بالآلاف!
وكان أبو عمرو بن العلاء إمام النحو في زمانه لا يجد قوت عياله!
وكان البخاري إمام الدنيا كلها وهو في فقر شديد!
ومن قبل كان حذيفة بن اليمان وأبو هريرة من أهل الصُّفة ينتظرون ما يجود به الأكارم ليسدوا جوعهم!
وقد قرأتُ كثيراً في سير العلماء والفقهاء فما وجدتُ واحداً منهم فاحش الثراء إلا الليث بن سعد! أما البقية فكانوا بين فقر شديد وتوسط في الحال، اللهمَّ إلا أولئك الذين تولوا مناصب رسمية في الدولة فكانت رواتبهم عالية، كالكسائي وأبو يوسف القاضي، وإلا فهؤلاء أيضاً جاؤوا من بيئة فقيرة!
هذا لنعلم أن الدنيا ليست معياراً للتفاضل بين الناس، ولا أحد منا يعلم اسم أغنى رجلٍ في زمن البخاري ولكننا جميعاً نعلمُ من هو البخاري!