+ A
A -
يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن فترة شبابه في مكة:
لقد شهدتُ مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان، ما أحِبُّ أنَّ لي به حُمرُ النَّعم!
والحِلفُ الذي يقصده النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو حِلفُ الفضول، أما قصته فهي كما يلي:
جاءَ رجل من قبيلة زبيد من اليمن إلى مكة ببضاعةٍ يريدُ أن يبيعها، فاشتراها منه العاص بن وائل، ولم يدفع له ما اتفقا عليه من مال، فاشتكاه الرجل إلى سادة قريش فلم يعينوه لمكانة العاص بن وائل وأنه من أشراف مكة وسادتها، فوقف الزبيري على جبل أبي قبيس وأنشد قائلاً:
يا للرجالِ لمظلوم بضاعته ببطن مكة نائي الدار والنفرِ
ومُحرِمٌ أشعثَ لم يقضِ عمرته يا للرجالِ وبين الحِجْر والحَجرِ
إنَّ الحرام لمن تمت كرامته ولا حرامٌ لثوب الفاجر الغدرِ
فكان أول من سمع هذه الشكوى الزُّبير بن عبد المطلب أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم الذين ماتوا قبل البعثة الشريفة، فقال: ما لهذا من متركٍ! أي من العيب أن يُتركَ ولا يُنصر!
فجمعَ الناس في بيت عبد الله بن جدعان، وعقدوا حلفَ الفضول، وتعاهدوا ألا يتركوا مظلوماً في مكة حتى يعيدوا حقَّه إليه، وقاموا إلى العاص بن وائل وأجبروه على أن يدفع للرجل حقَّه!
لهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيما بعد عن حلف الفضول: لو أني دعيتُ إلى مثله في الإسلام لأجبتُ! بمعنى لو أن جماعة من غير المسلمين طلبوا منه أن يعاونهم في إغاثة ملهوف، أو نصرة مظلوم، لما تردد في القبول!
القصة تُريكَ بجلاء أن للعرب في الجاهلية أخلاقا رفيعة، أثنى عليها الإسلام، فالإسلام العظيم لم يهدم من الجاهلية إلا عقيدة الشرك في العبادة، والربا في المعاملات، والسفاح والوأد وكل ما خالف الفطرة والأخلاق، أما ما كان عليه القوم من أخلاق رفيعة فأقرَّها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق! أي أن القوم كان فيهم أخلاق حميدة، وهذا من عدل النبوة، فلا يقدح في إيمان المؤمن أن يعترف بالخصال الحميدة لمن خالفوه في الدين، على العكس هذا من العدل الذي أمرنا به!
النخوة ومكارم الأخلاق أرستها الأديان السماوية، وحرصَ عليها الأنبياء، ولكن ليس من المستبعد أن تجد في غير المسلم نخوةً وأخلاقاً لأنَّ هذا من الفطرة السليمة التي فطرَ الله تعالى الناس عليها، المستغرب حقاً أن تجد مسلماً بلا أخلاقٍ ونخوة!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
01/06/2021
2101