+ A
A -
يقول جُبير بن نُفير: جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوماً، فمرَّ رجلٌ فقال له: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، واللهِ لودننا أنَّا رأينا ما رأيتَ، وشهدنا ما شهدتَ!
فغضبَ المقداد غضباً شديداً، ثم قال: ما يحملُ الرَّجل على أن يتمنى محضراً غيَّبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف يكون حاله، واللهِ لقد حضرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أقوام أكبهم الله في النار، لم يجيبوه ولم يصدقوه، ألا تَحمدون الله إذ أخرجكم تعرفون ربكم، مصدقين لما جاء به نبيكم، قد كُفيتم البلاء بغيركم؟
واللهِ لقد بُعثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أشدِّ حالٍ بُعثَ عليها نبيٌّ من الأنبياء، فترةَ جاهلية، ما يرون ديناً أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفُرقانٍ فرَّقَ بين الحق والباطل، وفرَّقَ بين الوالد وولده، حتى إنْ كان الرجل ليرى ولده أو والده أو أخاه كافراً وقد فتحَ الله قُفْلَ قلبه للإيمان، يعلمُ أنه إن هلكَ على هذه الحال دخلَ النار!
كُلنا نتمنى لو أننا رأينا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، لندافع عنه يوم آذته قريش في نفسه ودينه، ولنصد عنه الحجارة يوم رجموه في الطائف، ولنكون له حرساً ورفيقاً يوم هجرته، ولنذود عنه في أحدٍ فلا يسيل دمه الشريف كما سال، ولنأكل عنه كتف الشاة المسمومة التي قدمتها إليه امرأة من يهود، وهذه أُمنية لا شيء فيها، نابعة من الإيمان، ومن محبته صلى الله عليه وسلم، ولكن على الإنسان أن يعرفَ أن الله سبحانه وتعالى قد خلقه في زمنٍ هو أنفع له، وإنها لنعمة حقاً أننا وُلدنا مسلمين، فتحنا أعيننا على الدنيا يُعلمنا أهلنا التوحيد، ويحفظوننا الفاتحة، ويدربوننا على الصلاة والصيام، حتى إذا كبرنا وجدنا الإسلام قد اختلطَ بلحمنا وعظمنا، وهو أغلى شيءٍ عندنا!
وما أدراكم لو أنَّ أحدنا قد وُلد في قريش، فرباه أبواه على عبادة الأصنام، وعلى تقديس هُبل واللات ومناة، فنشأ شارباً للخمر، آكلاً للربا، وائداً للبنات، حتى صارتْ هذه منظومة قيمة، وسيرة عمره، ثم سمع أن رجلاً قد بُعثَ يهجو الأصنام، ويدعو إلى عبادة رب واحدٍ لا يُرى، لربما كان وقتها أحد الصناديد الكافرة التي استماتت تُدافع عن الدين الذي تعتقد أنه الحق!
احمدوا الله أن الإسلام وصلنا على طبقٍ من السهولة، بلا دفع ولا مجاهدة، بلا مغالبة أبوين كما حصل مع سعد بن أبي وقاص، وبلا مراودة عن مالٍ كما حصل مع صهيبٍ الرومي، فتلك واللهِ امتحانات صعبة، واختبارات عسيرة قد سقط فيها كثيرٌ من الناس!
وما أفقه الأعرابي الذي قيل له أتحسنُ أن تدعو؟
فقال: نعم
فقيل له: ادعُ لنا..
فقال: اللهم إنكَ أعطيتنا الإسلام دون أن نسألكَ، فلا تحرمنا الجنّة ونحن نسألك!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
03/06/2021
3660