ما أمتعَ أحاديث الغيب حين يرويها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وعن الغيبِ الذي لم يكن لنا لندري به لولا أن كانتْ جلسةً من جلسات النُّبوة، والصحابة حوله يستضيئون به، فقال:
احتَجَّ آدمُ وموسى عند ربهما، فحاجَّ آدمُ موسى!
قال موسى: أنتَ الذي خلقكَ اللهُ بيده، ونفخَ فيك من روحه، وأسجدَ لكَ ملائكته، وأسكنكَ جنَّته، ثم أهبطتَ الناس إلى الأرض بخطيئتك؟!
فقال آدمُ: أنتَ موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيءٍ، وقَرَّبكَ نجياً، فبكم وجدتَ اللهَ قد كتبَ التوراة قبل أن أُخلق؟
قال موسى: بأربعين عاماً
قال آدمُ: فهل وجدتَ فيها: «وَعَصَى? آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى?»
قال: نعم
فقال آدم: أفتلومني على أن عملتُ عملاً كتبَ اللهُ عليَّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: فحاجَّ آدمُ موسى!
انظروا لحوار النبلاء كيف يكون، آدم وموسى عليهما السلام يختصمان في أهم قضية في الوجود «قضية الجنة»، وكلاهما يعرفُ فضل الآخر، فلا لوم موسى لآدم أنساه فضل آدم، ولا دفاع آدم عن نفسه أنساه فضل موسى!
فاحفظوا للناس مكانتهم ولو اختلفتم معهم!
لا تمحوا تاريخاً مشرقاً لشخص بموقف واحد، الكريمُ إذا منعَ مرةً لا يُنسى كرمه السابق، والحليم إذا غضبَ مرةً لا يُنسى له حلمه السابق، وإنما كما قالت العرب: لكل جواد كبوة!
كتبَ اللهُ سبحانه كل شيءٍ في اللوح المحفوظ، وكل ما كتبه كائن لا محالة، وأما أفعال الناس التي كتبها الله بعلمه المطلق لا يُسقط كتابتها مسؤوليتهم عنها، فلا نُنزل هذه الحادثة على كل فعل، وإلا لانتفى مفهوم الثواب والعقاب، ولاتهمنا الله سبحانه بالظلم دون أن ندري، فكيف يحاسب الله الناس على أفعالٍ قد كتبها عليهم فعملوها؟!
والجواب على هذا أن علم الله سبحانه مطلق لا يساوره خطأ، ولتقريب الفكرة نأخذ هذا المثل: رزقكَ اللهُ ولداً وربيته تحت ناظريك لسنوات طويلة، فأنتَ تعرف طبعه وأخلاقه ونفسيته، ثم لما عرفتَ كل هذا تنبأتَ أنه سيسرق، وقد تصدق نبوءتك وقد تخيب، فإن صدقتْ فهل تكون قد أجبرته على السرقة، أم أنَّ كل ما في الأمر أنكَ قدَّرتَ الأمور بناءً على ما تعرف، فأصبتَ؟!
وهذا كذاك، مع فارقٍ مهم يجب أن لا يغيب عن بالنا وهو أن علمنا محدود قائم على الحدس والتقدير، وعلم الله مطلق، والناس ليس لهم أن يحتجوا بقدر الله على أفعالهم طالما أنهم أحرار في أن يفعلوا أو لا يفعلوا!
ثم إننا لا نعرفُ قدر الله إلا حين يقع، وكون الإنسان قد قتلَ أو سرقَ فقد فعلَ قدر الله وهو غير مجبر عليه، وإلا ما بقي دين ولا كانت هناك غاية من إرسال الرسل، يعلمُ اللهُ أهل الجنة وأهل النار قبل خلقهم، ولكنه يُرسل إليهم الرُّسل ليمشوا في دروب أقدارهم مختارين!بقلم: أدهم شرقاوي
احتَجَّ آدمُ وموسى عند ربهما، فحاجَّ آدمُ موسى!
قال موسى: أنتَ الذي خلقكَ اللهُ بيده، ونفخَ فيك من روحه، وأسجدَ لكَ ملائكته، وأسكنكَ جنَّته، ثم أهبطتَ الناس إلى الأرض بخطيئتك؟!
فقال آدمُ: أنتَ موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيءٍ، وقَرَّبكَ نجياً، فبكم وجدتَ اللهَ قد كتبَ التوراة قبل أن أُخلق؟
قال موسى: بأربعين عاماً
قال آدمُ: فهل وجدتَ فيها: «وَعَصَى? آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى?»
قال: نعم
فقال آدم: أفتلومني على أن عملتُ عملاً كتبَ اللهُ عليَّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: فحاجَّ آدمُ موسى!
انظروا لحوار النبلاء كيف يكون، آدم وموسى عليهما السلام يختصمان في أهم قضية في الوجود «قضية الجنة»، وكلاهما يعرفُ فضل الآخر، فلا لوم موسى لآدم أنساه فضل آدم، ولا دفاع آدم عن نفسه أنساه فضل موسى!
فاحفظوا للناس مكانتهم ولو اختلفتم معهم!
لا تمحوا تاريخاً مشرقاً لشخص بموقف واحد، الكريمُ إذا منعَ مرةً لا يُنسى كرمه السابق، والحليم إذا غضبَ مرةً لا يُنسى له حلمه السابق، وإنما كما قالت العرب: لكل جواد كبوة!
كتبَ اللهُ سبحانه كل شيءٍ في اللوح المحفوظ، وكل ما كتبه كائن لا محالة، وأما أفعال الناس التي كتبها الله بعلمه المطلق لا يُسقط كتابتها مسؤوليتهم عنها، فلا نُنزل هذه الحادثة على كل فعل، وإلا لانتفى مفهوم الثواب والعقاب، ولاتهمنا الله سبحانه بالظلم دون أن ندري، فكيف يحاسب الله الناس على أفعالٍ قد كتبها عليهم فعملوها؟!
والجواب على هذا أن علم الله سبحانه مطلق لا يساوره خطأ، ولتقريب الفكرة نأخذ هذا المثل: رزقكَ اللهُ ولداً وربيته تحت ناظريك لسنوات طويلة، فأنتَ تعرف طبعه وأخلاقه ونفسيته، ثم لما عرفتَ كل هذا تنبأتَ أنه سيسرق، وقد تصدق نبوءتك وقد تخيب، فإن صدقتْ فهل تكون قد أجبرته على السرقة، أم أنَّ كل ما في الأمر أنكَ قدَّرتَ الأمور بناءً على ما تعرف، فأصبتَ؟!
وهذا كذاك، مع فارقٍ مهم يجب أن لا يغيب عن بالنا وهو أن علمنا محدود قائم على الحدس والتقدير، وعلم الله مطلق، والناس ليس لهم أن يحتجوا بقدر الله على أفعالهم طالما أنهم أحرار في أن يفعلوا أو لا يفعلوا!
ثم إننا لا نعرفُ قدر الله إلا حين يقع، وكون الإنسان قد قتلَ أو سرقَ فقد فعلَ قدر الله وهو غير مجبر عليه، وإلا ما بقي دين ولا كانت هناك غاية من إرسال الرسل، يعلمُ اللهُ أهل الجنة وأهل النار قبل خلقهم، ولكنه يُرسل إليهم الرُّسل ليمشوا في دروب أقدارهم مختارين!بقلم: أدهم شرقاوي