+ A
A -
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه مُرَغِّباً إياهم في طلب العلم: من سلكَ طريقاً يبتغي به علماً سهَّل اللهُ له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضعُ أجنحتها رضاءً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورِّثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورَّثوا العلم فمن أخذَ به فقد أخذ بحظٍ وافر!
ومن قصص طلب العلم الخالدة قصة إمام الأندلس «بقيُّ بن مخلد» ارتحلَ من قرطبة إلى المغرب، ثم من المغرب إلى بغداد مشياً على الأقدام ليأخذ الحديث عن الإمام أحمد، ولما وصل إلى بغداد وجد أن الواثق بالله العباسي قد غضبَ على الإمام أحمد غضباً شديداً لأنه لم يجارِه في بدعة المعتزلة الشهيرة خلق القرآن! وقد فرضَ عليه إقامةً جبرية في منزله، ومنعه من صلاة الجمعة والجماعة، ومن تعليم الناس الحديث!
عندما علمَ بقيُّ بن مخلد بهذا لم ييأس، وإنما ذهب إلى بيت الإمام أحمد وطرق عليه الباب، ولما فتح له الإمام، قال له: جئتكَ من بلادٍ بعيدة لآخذ عنكَ الحديث
فقال له الإمام: من أين؟ من المغرب؟
فقال له: بل من قُرطبة!
فقال أحمد: إنها لبلاد بعيدة، ولكنك تعلمُ أن الخليفة قد منعني من الحديث
فقال له بقيُّ بن مخلد: نعمدُ للحيلة إذن، آتيكَ كل يومٍ بلباس المتسولين، فاطرقُ عليكَ الباب، فتدخلني وتحدثني، ثم أحفظُ عنك..
فوافق الإمام أحمد، ولكنه اشترط عليه ألا يظهر في مجالس الحديث خشية أن يُحدِّثَ بما سمعه منه فيفتضح أمرهما..
فقبل بقي بن مخلد بشرط الإمام أحمد، وهكذا صار كل يومٍ يأتي إليه بثياب رثة كثياب المتسولين، ويقرع الباب ويقول مسكين يسأل الصدقة، فيفتح له الإمام أحمد، ويصحبه إلى دهليز في الدار، حتى أتمَّ عليه الكتاب المبارك مسند الإمام أحمد، ونفعه الله به، وعاد إلى الأندلس وكان شيخ العلماء فيها!
إنَّ في قصص الأوائل عجباً في طلب العلم، فقد كان البخاري يسافرُ من بلدٍ إلى بلدٍ طلباً لحديث واحد عن رجل واحد!
وخرجَ الرازي طلباً للعلم مشياً على الأقدام، وعن رحلته هذه يقول: أول سنة خرجتُ في طلب الحديث أحصيتُ ما مشيتُ على قدميَّ فزادتْ على ألف فرسخ! والفرسخ أربعة كيلومترات! أي أنه مشى أربعمائة كيلومتر طلباً للعلم!
والملاحظ اليوم فتور الهمم في طلب العلم، يُقام شرح لصحيح البخاري في مدينة مجاورة فنستبعد المساحة، وإذا أُغلقتْ دار التحفيظ في الحي رأينا المسافة إلى الحي الآخر شاسعة فقعدنا، زهدنا في ميراث الأنبياء زهداً مخجلاً!بقلم: أدهم شرقاوي
ومن قصص طلب العلم الخالدة قصة إمام الأندلس «بقيُّ بن مخلد» ارتحلَ من قرطبة إلى المغرب، ثم من المغرب إلى بغداد مشياً على الأقدام ليأخذ الحديث عن الإمام أحمد، ولما وصل إلى بغداد وجد أن الواثق بالله العباسي قد غضبَ على الإمام أحمد غضباً شديداً لأنه لم يجارِه في بدعة المعتزلة الشهيرة خلق القرآن! وقد فرضَ عليه إقامةً جبرية في منزله، ومنعه من صلاة الجمعة والجماعة، ومن تعليم الناس الحديث!
عندما علمَ بقيُّ بن مخلد بهذا لم ييأس، وإنما ذهب إلى بيت الإمام أحمد وطرق عليه الباب، ولما فتح له الإمام، قال له: جئتكَ من بلادٍ بعيدة لآخذ عنكَ الحديث
فقال له الإمام: من أين؟ من المغرب؟
فقال له: بل من قُرطبة!
فقال أحمد: إنها لبلاد بعيدة، ولكنك تعلمُ أن الخليفة قد منعني من الحديث
فقال له بقيُّ بن مخلد: نعمدُ للحيلة إذن، آتيكَ كل يومٍ بلباس المتسولين، فاطرقُ عليكَ الباب، فتدخلني وتحدثني، ثم أحفظُ عنك..
فوافق الإمام أحمد، ولكنه اشترط عليه ألا يظهر في مجالس الحديث خشية أن يُحدِّثَ بما سمعه منه فيفتضح أمرهما..
فقبل بقي بن مخلد بشرط الإمام أحمد، وهكذا صار كل يومٍ يأتي إليه بثياب رثة كثياب المتسولين، ويقرع الباب ويقول مسكين يسأل الصدقة، فيفتح له الإمام أحمد، ويصحبه إلى دهليز في الدار، حتى أتمَّ عليه الكتاب المبارك مسند الإمام أحمد، ونفعه الله به، وعاد إلى الأندلس وكان شيخ العلماء فيها!
إنَّ في قصص الأوائل عجباً في طلب العلم، فقد كان البخاري يسافرُ من بلدٍ إلى بلدٍ طلباً لحديث واحد عن رجل واحد!
وخرجَ الرازي طلباً للعلم مشياً على الأقدام، وعن رحلته هذه يقول: أول سنة خرجتُ في طلب الحديث أحصيتُ ما مشيتُ على قدميَّ فزادتْ على ألف فرسخ! والفرسخ أربعة كيلومترات! أي أنه مشى أربعمائة كيلومتر طلباً للعلم!
والملاحظ اليوم فتور الهمم في طلب العلم، يُقام شرح لصحيح البخاري في مدينة مجاورة فنستبعد المساحة، وإذا أُغلقتْ دار التحفيظ في الحي رأينا المسافة إلى الحي الآخر شاسعة فقعدنا، زهدنا في ميراث الأنبياء زهداً مخجلاً!بقلم: أدهم شرقاوي