لما كان يوم اليرموك خرج المسلمون بأربعةٍ وعشرين ألفاً، وجاءتْ لهم الروم بمائةٍ وعشرين ألفاً! وأقبلوا بخطىً ثقيلة كأنهم الجبال تمشي، وسار أمامهم الأساقفة والبطارقة والقساوسة يحملون الصلبان، ويتلون صلواتهم، والجيش كله يردد خلفهم ولهم هزيم كهزيم الرَّعد!
فلما رآهم المسلمون على هذه الحال هالهم كثرتهم، وخالطَ قلوبهم شيء من الخوف، ومن قبلُ أوجسَ في نفسه خيفة موسى!
عندها قام أبو عبيدة بن الجراح يحرِّضُ المسلمين على القتال، فقال: عباد اللهِ انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، عباد الله اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر، ومرضاة للرب، ومدحضة للعار، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالتروس، والزموا الصمت إلا من ذكر عزَّ وجلَّ في أنفسكم.
عند ذلكَ خرجَ رجلٌ من صفوف المسلمين، وقال لأبي عبيدة: إني أزمعتُ أن أقضيَ أمري الساعة، فهل لكَ من رسالةٍ تبعثها إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟!
فقال له أبو عبيدة: نعم، تقرئه مني السَّلام، ومن المسلمين السلام، وتقولُ له: يا رسول الله إنَّا وجدنا ما وَعدنا ربُّنا حقاً!
فما أن سمعَ سعيد بن عمرو بن زيد بن نُفيل حديث الرجل مع أبي عبيدة حتى اقتحمَ جيشَ الروم، وطعنَ أول فارسٍ أقبل على المسلمين، فلما رأى المسلمون هذا، ذهبت هيبة الروم من قلوبهم، وقاتلوا قتال بائع الدنيا ومشتري الجنة، وما زالوا كذلك حتى منَّ الله تعالى عليهم بالنصر!
موقف شخصي من رجل واحدٍ غيَّر نفسية جيشٍ بأكمله، رجلٌ لم تذكر كُتب السيرة اسمه، وما ضرَّه يكفي أنَّ الله يعرفه، قام عازماً على الشهادة، سائلاً أبا عبيدة إن كان عنده رسالة يبعثها معه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم! تشجع بسببه سعيد بن عمرو ومن خلفه جيشٌ قوامه أربعون ألفاً هم خيرة أهل الأرض يومذاك، اللهمَّ إلا من كانوا ورائهم العبقريَّ عمر بن الخطاب ومعه مجلس شورته من كبار الصحابة!
لا تستهنْ بنفسك، ولا تقُلْ أنا فرد وماذا سأصنعُ وحدي؟!
موقف ثباتٍ منك في ساعة حقٍّ تبتغي به وجه الله الكريم قد يُثيبُ الله تعالى بسببه خلقاً كثيراً لكَ أجرهم!
وكلمة حقاً تقولها لا تخشى في اللهِ لومة لائم قد تدلَّ آلافاً على طريق الحق، ويكونون جميعاً في ميزانك!
أمة الإسلام قاطبة حفظ اللهُ تعالى لها دينها بثبات رجل واحد يوم فتنة خلق القرآن، ويا لحظك يا أحمد بن حنبل!
بقلم: أدهم شرقاوي