+ A
A -
مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل- مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةتبدو الصورة غاية في السوء اليوم في عجز المسلمين عن وضع إطارات قانونية، تنبع من مقاصد شريعتهم، لا تحقق الأخوّة القرآنية التي يتشدق بها بعض المسلمين وهم يخونونها كل حين، ولكن على أقل تقدير تُحيّد تلك العصبيات عن التأثير في حياة الناس وظلمهم واستباحة حقوقهم، من خلال مهمة إنتاج الوسائط والهيكل القانوني، التي نجح فيها الغرب الحديث.
ليس كنجاحٍ أخلاقي شامل، ولكن كنظم تُحوّل فيها القيم الإسلامية التي تقودها الكليات القرآنية لقانون نافذ، فهي هنا المفصل الذي يحدد مساحة النجاح الحضاري في صيانة الحق القانوني الشامل للفرد في الإسلام، وتطبيق الأداة الرادعة التي يعضدها التضامن المدني لكل أطياف المسلمين في أقطارهم، بينهم ذاتياً وبينهم وبين الآخرين.
غير أن ما يجري اليوم في الحقيقة هو بناء على أصل الانحراف، في توظيف الحالة السياسية للمستبد، أو عصبية الحكم والتي بدأت بنقض الأمويين للشورى، وقد كان دافعهم ضمن إطار العصبية الاجتماعية لفرع من قريش، فأسقط العدل الإلهي، مقابل الحق الإلهي المزعوم الذي تواطأ عليه الأمويون أنفسهم، في التدخل السياسي في تفسير النصوص وخاصة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، واستخدم بالمقابل كحق إلهي يقتص لمظالم آل البيت، عبر دعوة التشيع العباسي، التي انتقمت من بني أمية.
ونلاحظ هنا أن دعوة العباسيين كانت شيعية سياسياً وسنية مذهبياً، وفور استتباب الأمر لهم نفذوا عمليات إبادة مروعة في جسم حلفائهم وأبناء عمومتهم الطالبيين، وفي الجسم الأموي بعد سقوط حكمهم، هنا نلحظ قضية مهمة لا بد لعقل المسلم المعاصر من أن يستوعبها، وهي أن الانحراف قديم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدث عنه مباشرة، سواء في حديث حذيفة لعمر، وإخباره بالفتنة السياسية، أو في استشهاد عمّار بن ياسر وقبله الخليفة عثمان بن عفان.
وكون أن عمر يطمئن بأن الباب قد كُسر، يعني أنه فقه من حديث حذيفة أن الأمر فوق طاقته وأذانٌ باستشهاده، هو دلالة على أنه كان هناك وعي متقدم يستشرف الانتكاسة السياسية التي عاشها المسلمون، وكانت تحت النزعة العصبية الجاهلية، التي لا علاقة لها بالإسلام، فإذا كانت هناك نزعة جاهلية يقينية ترد على الصحابة، لا تُخرج من تورط منهم من الإسلام، لكنها لا تزكيه من تحمل المسؤولية أمام الله والأمة، وهذا لا يلغي دورهم في حمل رسالة البلاغ الأساسية وما خلقته في العرب، وبعثها كدعوة إيمان وأخلاق وحضارة، وصلت إلى العالم الجديد عبرهم.
وكون أن الإيمان والتسليم بالرسالة، ثم جهد العرب الأوائل حقق هذا البعث الإيماني نصاّ وتجربةً، لو وُعيَ بدقة في العهود الراشدة التي تجمع سلوك الراشدين ومواقفهم، ثم من تبعهم من الخلفاء الثلاثة، الحسن بن علي ومعاوية بن يزيد بن معاوية، وعمر ابن عبد العزيز.
وسيُقال اعتراضاً على ذلك لكن أثرهم الزمني محدود، في ظل هيمنة البغي في التاريخ السياسي والاجتماعي للمسلمين، وهذا صحيح، غير أن الخطأ هنا، هو اعتبار دعوة البلاغ مرهونة بتطبيق المسلمين للعدالة السياسية بعد الزمن الراشد، وأن المسلمين تحت التزكية الإلهية، ومعفوّون من شروط الاستخلاف العمراني التي جعل الله العدل أساسها قبل أي شيء، ونبذت كل العصبيات دونه.
وهذا الفهم في ذاته شكل انحرافاً في فهم الإسلام وفريضة العدالة السياسية الاجتماعية، في شقيّها، الحكم السياسي والمساواة بين الناس وأعراقهم، بل إن كتب التراث ومدونات الفقه القديمة، انحرف منها ما ليس بقليل ووطّن لأحكام الظلم، المخالف صراحة لأسس الشورى ومرجعية المراقبة للأمة، والتي تُنزّلُ على كل بلد اليوم، بما يفي بشروطها في الوسائط المعاصرة.
إنه يزكم أنفك من حجم النفاق والتبرير المجرم، لبعض العلماء قديماً في تشريعات الظلم للمستبد السياسي، وتجد مخالفة واضحة لكليات القرآن، ثم تنظر كيف جُدول ذلك الفقه لدعم صراع المستبد مع المخالفين له، ووضع في إطار مذهبي كي يتم تبرير قمعه، وتأبيده في الحكم بلا حد، فكيف يكون ذلك الفقه الذي يبرر للعصبيات وجرائمهم، مادة إسلامية أصلاً مقبولة، فضلاً عن أنه لا يزال يُستنسخ حتى اليوم، في دعاوى بعض الإسلاميين باسم الحكم الشرعي الوهمي.
باحث عربي مستقل- مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةتبدو الصورة غاية في السوء اليوم في عجز المسلمين عن وضع إطارات قانونية، تنبع من مقاصد شريعتهم، لا تحقق الأخوّة القرآنية التي يتشدق بها بعض المسلمين وهم يخونونها كل حين، ولكن على أقل تقدير تُحيّد تلك العصبيات عن التأثير في حياة الناس وظلمهم واستباحة حقوقهم، من خلال مهمة إنتاج الوسائط والهيكل القانوني، التي نجح فيها الغرب الحديث.
ليس كنجاحٍ أخلاقي شامل، ولكن كنظم تُحوّل فيها القيم الإسلامية التي تقودها الكليات القرآنية لقانون نافذ، فهي هنا المفصل الذي يحدد مساحة النجاح الحضاري في صيانة الحق القانوني الشامل للفرد في الإسلام، وتطبيق الأداة الرادعة التي يعضدها التضامن المدني لكل أطياف المسلمين في أقطارهم، بينهم ذاتياً وبينهم وبين الآخرين.
غير أن ما يجري اليوم في الحقيقة هو بناء على أصل الانحراف، في توظيف الحالة السياسية للمستبد، أو عصبية الحكم والتي بدأت بنقض الأمويين للشورى، وقد كان دافعهم ضمن إطار العصبية الاجتماعية لفرع من قريش، فأسقط العدل الإلهي، مقابل الحق الإلهي المزعوم الذي تواطأ عليه الأمويون أنفسهم، في التدخل السياسي في تفسير النصوص وخاصة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، واستخدم بالمقابل كحق إلهي يقتص لمظالم آل البيت، عبر دعوة التشيع العباسي، التي انتقمت من بني أمية.
ونلاحظ هنا أن دعوة العباسيين كانت شيعية سياسياً وسنية مذهبياً، وفور استتباب الأمر لهم نفذوا عمليات إبادة مروعة في جسم حلفائهم وأبناء عمومتهم الطالبيين، وفي الجسم الأموي بعد سقوط حكمهم، هنا نلحظ قضية مهمة لا بد لعقل المسلم المعاصر من أن يستوعبها، وهي أن الانحراف قديم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدث عنه مباشرة، سواء في حديث حذيفة لعمر، وإخباره بالفتنة السياسية، أو في استشهاد عمّار بن ياسر وقبله الخليفة عثمان بن عفان.
وكون أن عمر يطمئن بأن الباب قد كُسر، يعني أنه فقه من حديث حذيفة أن الأمر فوق طاقته وأذانٌ باستشهاده، هو دلالة على أنه كان هناك وعي متقدم يستشرف الانتكاسة السياسية التي عاشها المسلمون، وكانت تحت النزعة العصبية الجاهلية، التي لا علاقة لها بالإسلام، فإذا كانت هناك نزعة جاهلية يقينية ترد على الصحابة، لا تُخرج من تورط منهم من الإسلام، لكنها لا تزكيه من تحمل المسؤولية أمام الله والأمة، وهذا لا يلغي دورهم في حمل رسالة البلاغ الأساسية وما خلقته في العرب، وبعثها كدعوة إيمان وأخلاق وحضارة، وصلت إلى العالم الجديد عبرهم.
وكون أن الإيمان والتسليم بالرسالة، ثم جهد العرب الأوائل حقق هذا البعث الإيماني نصاّ وتجربةً، لو وُعيَ بدقة في العهود الراشدة التي تجمع سلوك الراشدين ومواقفهم، ثم من تبعهم من الخلفاء الثلاثة، الحسن بن علي ومعاوية بن يزيد بن معاوية، وعمر ابن عبد العزيز.
وسيُقال اعتراضاً على ذلك لكن أثرهم الزمني محدود، في ظل هيمنة البغي في التاريخ السياسي والاجتماعي للمسلمين، وهذا صحيح، غير أن الخطأ هنا، هو اعتبار دعوة البلاغ مرهونة بتطبيق المسلمين للعدالة السياسية بعد الزمن الراشد، وأن المسلمين تحت التزكية الإلهية، ومعفوّون من شروط الاستخلاف العمراني التي جعل الله العدل أساسها قبل أي شيء، ونبذت كل العصبيات دونه.
وهذا الفهم في ذاته شكل انحرافاً في فهم الإسلام وفريضة العدالة السياسية الاجتماعية، في شقيّها، الحكم السياسي والمساواة بين الناس وأعراقهم، بل إن كتب التراث ومدونات الفقه القديمة، انحرف منها ما ليس بقليل ووطّن لأحكام الظلم، المخالف صراحة لأسس الشورى ومرجعية المراقبة للأمة، والتي تُنزّلُ على كل بلد اليوم، بما يفي بشروطها في الوسائط المعاصرة.
إنه يزكم أنفك من حجم النفاق والتبرير المجرم، لبعض العلماء قديماً في تشريعات الظلم للمستبد السياسي، وتجد مخالفة واضحة لكليات القرآن، ثم تنظر كيف جُدول ذلك الفقه لدعم صراع المستبد مع المخالفين له، ووضع في إطار مذهبي كي يتم تبرير قمعه، وتأبيده في الحكم بلا حد، فكيف يكون ذلك الفقه الذي يبرر للعصبيات وجرائمهم، مادة إسلامية أصلاً مقبولة، فضلاً عن أنه لا يزال يُستنسخ حتى اليوم، في دعاوى بعض الإسلاميين باسم الحكم الشرعي الوهمي.