خالد وليد محمود
باحث دكتوراه في العلوم السياسية
ألم يصبح منبّه «رسائل الواتساب» هو الناطق الرسمي والوحيد في جلساتنا ومجالسنا، وألم تعد «مشاعرنا» مربوطة على شبكة «الواي فاي» تقاس قوتها ودرجة حرارتها حسب إشارة «الراوتر»؟!
قبل هبوب رياح الشبكة العنكبوتية والهواتف النقّالة وتطبيقات الإعلام الاجتماعي، كنّا نعيش الحياة – على الأقل أجيال الثمانينيات وما قبلها- بحب وامتنان، كانت ثمة ألفة ودفء حين كنا نجتمع حول مائدة واحدة، نتجاذب أطراف الحديث في جو عائلي جميل، نتحدث ونستمع، حيث الآذان صاغية أمينة، والقلوب صافية بريئة، تعيش بجوارحها مع الجمع لحظة بلحظة.
اليوم، وبعد أن غزا «الواي فاي» بيوتنا وحياتنا دون استئذان، أصبحنا أشبه ما نكون بكائنات غريبة منزوية في ركن من البيت أو المقهي أو المجلس؛ نعبث بصمت في شاشة أجهزتنا الالكترونية، أصبحنا حبيسي هواتفنا الجوالة وتطبيقاتها، حالنا ينطبق عليه القول و«كأن على رؤوسنا الطير»، نتنقل من موقع لآخر ومن خبر لآخر ومن دردشة لأخرى، أشبه بالريبوتات المتحركة... بعد أن غزا «الواي فاي» حياتنا تغير طعم التواصل الاجتماعي وجُرِّد من محتواه الإنساني الطبيعي ومشاعره النبيلة! هذا الحال أصاب البشرية في روابطها البينية، وأجّج بدواخلنا البعد والغربة، بحيث ترى الابن يجلس مع أبيه أو أخيه على وضع «الصامت»، دون حديث أو شعور، وهو غارق في شاشة حجمها بضع سنتنميترات أدمن من خلالها الابتسامة الصفراء التي لا تتعدى أن تكون نقطتين وقوس!
الانترنت ليس بهذه المجانية التي نعتفد، فنحن ندفع له أغلى ضريبة من الممكن أن ندفعها في حياتنا إنها: «أعمارنا»! لقد أفرع من دواخلنا مضامين الحياة، كيف لا وقد أضحى أكبر إنجاز لدى الواحد منا: «تغيير صورة بروفايل»، أو حصد أكبر عدد من اللايكات والمشاركات والتعليقات؟
لا نبالغ القول بأن الانترنت بثّ فينا وهم النصر والبطولة المزيفة وصنع منا أبطالاً لم يكن بنياتهم أكثر من قضاء وقتا في حضرة «الفيسبوك» و«تويتر» و«الانستغرام» و«السناب شات»، أما الإنجاز الحقيقي على أرض الواقع فهو صفر!
الإنترنت -يا رعاكم الله- أفقدنا بهجة الحياة، دفء العائلة والأصدقاء والأحباء، أضاع منا كينونتنا الاجتماعية.. أما آن الأوان لنلتفت أبعد من الشاشة التي أمامنا، نحقق ذواتنا ونسترد أنفسنا، نقضي وقتا أكبر بقرب من نحب، نلاعب أطفالنا ونمارس هواياتنا؟!