+ A
A -
كان حصار الأحزاب للمسلمين في المدينة قاسياً وشديداً، وما زاد الطين بلةً غدر اليهود، وصار المسلمون بين عدو الخارج في وجوههم، وعدو الداخل في ظهورهم، وبلغت القلوب الحناجر!
ومع الثبات يأتي النصر، وما النصر إلا صبر ساعة، فمنَّ الله على الثابتين صبر أيام وليالٍ وردَّ كيد الأحزاب!
وألقى المسلمون سلاحهم، فإذا بجبريل ينزلُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويقول له: قد وضعتَ السلاح، واللهِ ما وضعناه، فاخرُجْ إليهم.
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: فإلى أين؟
فقال جبريل: ها هنا وأشار إلى بني قريظة!
فخرجَ إليهم، وحاصرهم خمساً وعشرين ليلةً، فلما يئس اليهود من فك الحصار أرسلوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن ابعثْ إلينا صاحبكَ أبا لبابة نستشيره في أمرنا وكان حليفاً لهم في الجاهلية!
فأرسله النبيُّ صلى الله عليه وسلم إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وبكى بين يديه النساء والصبيان، فرقَّ لحالهم.
فقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟
فقال: نعم، وأشار إلى حلقه يعني أن حكمه الذَّبح!
فقال أبو لبابة محدثاً عن القصة: فعلمت أني خنتُ الله ورسوله، وخجلتُ أن آتي إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنما ذهبتُ إلى المسجد وربطتُ نفسي بسارية من سواريه، وقلتُ: لا أبرحُ مكاني حتى يتوب الله عليَّ!
فلما بلغَ هذا النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: لو جاءني كنتُ استغفرتُ له، أما إنه قد فعلَ ما فعلَ فما أنا بالذي أُطلقه حتى يتوب الله عليه!
ومرَّتْ ليالٍ وأبو لبابة مربوط، تأتيه امرأته تفكه للصلاة، ثم تربطه! ثم كانتْ ليلةً كان فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة، فرأته يضحك!
فقالتْ له: ما يُضحكك يا رسول الله أضحك الله سِنَّك؟
فقال لها: تابَ اللهُ على أبي لبابة.
فقالتْ: أفلا أبشره يا رسول الله؟!
فقال لها: بلى إن شئتِ.
فقامتْ إليه وقالت: أبا لبابة قد تاب الله عليكَ.
فقام الناس ليفكوه، فقال واللهِ لا يفكني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وفكَّه!
الشاهد من كل هذا قول أم سلمة: أفلا أبشره يا رسول الله؟!
الإنسان النبيل يفرحُ بالخير للآخرين تماماً كما يفرحُ بالخير لنفسه، فتراه يسعد بنجاح إنسانٍ فيسارع ليبشره، ويعرف خبر حمل امرأةٍ بعد عناء حرمان فيسارع في حمل البشرى، فلا تكُنْ إلا رسول خير، الأنباء السيئة لا تحتاج خادماً ولا رسولاً إنها تجري في الناس جري النار في الهشيم، أما الأخبار السعيدة والبشرى فقلما تجد من يحملها ويزفها إلى صاحبها، فكُنْ أنتَ الحامل لها، فعندما تفرح لفرح غيرك، ولا يزعجك غنى غيرك، ولا تكدرك سعادة غيرك فاعلم أنك إنسان طيب القلب!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
17/06/2021
1581