لم تكن تربية العصافير بالهواية العابرة في منازل الأتراك، لكنها بمثابة العشق التاريخي للطيور.
إذ احتفى الأتراك بعصافيرهم عبر بناء أعشاش صناعية لها منذ قديم الزمن، ويواصلون الاعتناء بها وتقديم الطعام وتجهيز الأعشاش لها إلى يومنا هذا.
ومنح مهندسو الدولة العثمانية اهتمامًا كبيراً للطيور؛ حيث كانوا يصممون أشكالاً مختلفة من أعشاش الطيور بنوها في جدران البيوت العثمانية آنذاك، لترسم لوحة جميلة تشكل أسمى معاني الإنسانية والجمال.
وما يلفت الأنظار، بيوت الطيور أو الأعشاش التي أُنشِئت باستخدام الطوب والحجارة في تركيا إبان العهد العثماني ما بعد القرن السادس عشر الميلادي.
وهي واحدة من عناصر الثقافة المعمارية في الحضارة العثمانية العتيقة؛ حيث كان يتم بناء الأعشاش الحجرية بحساب اتجاه الرياح لكي تكون بيوتا آمنة للطيور.
وبُنيت هذه البيوت أو الأعشاش الاصطناعية، آنذاك، على أطراف الجوامع والمدارس والخانات والمنازل، وخاصة الأماكن التي تقع في اتجاه الرياح وسطوع الشمس.
وفي مدينة إسطنبول، رصدت عدسة الأناضول أعدادا كبيرة من أعشاش العصافير بأشكالها المختلفة والمتنوعة في عدّة حدائق ومحميّات طبيعية داخل المدينة التاريخية.
وهناك، أيضا، أعشاش الطيور المتواجدة بجوار «جامع سليمانية»، والتي أقيمت بأمر السلطان سليمان القانوني.
كما تتواجد عند جامع «أيازما» في منطقة «أوسكودار» بالشق الآسيوي من إسطنبول، الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثامن عشر؛ حيث يوجد هناك 17 منزلاً للطيور لاتزال شاهدا على عِظم إنسانية من بناها.
ولايزال الأتراك يحافظون على نهج أجدادهم في رعاية الطيور والعصافير على وجه الخصوص.
وقامت الإدارة العامة للغابات، التابعة لوزارة الغابات والري التركية، بتعليق ما يقرب عن 670 ألف عش صناعي للطيور، خلال الـ13 عاما الماضية، لحماية الغابات من الحشرات السامة في كافة غابات تركيا.
ومن المعروف أن الطيور تلعب دوراً كبيراً في تقليص عدد الحشرات السامة المنتشرة في أرجاء الغابات والحدائق.
إذ تتغذى الطيور على الحشرات، وتأكل في اليوم الواحد كمية منها تزيد على وزنها بأضعاف، لذلك استعان الأتراك بالطيور كحل طبيعي لحماية البيئة، ولا يتسبب في اختلال الحياة الطبيعية.
وتتميز الأعشاش، التي وُضعت في «محمية أتاتورك» بإسطنبول بشكلها الجميل المصنوعة من الأخشاب؛ حيث تستخدمها العصافير من أجل التزاوج وحماية بيضها من البرد القارس.
كما تُعرف «حديقة غول هانة» بإسطنبول بوجود عدد لا بأس به أيضاً من الأعشاش الكبيرة والمُخصصة للطيور الكبيرة كالغُراب والحمام؛ ما يجذب أنظار السياح ويدعوهم للحيرة والانبهار.
ويُلاحظ وجود أنواع كثيرة من العصافير كالأبلق الأبقع وأبوقلنسوة وجشنة الماء والحسون والناري والذبابي والكناري والدوري بألوان وأحجام مختلفة تقيم في تلك الأعشاش.
ورصدت عدسة الأناضول أنواعا فريدة وذات ألوان جذابة من العصافير التي تغرّد بأصوات جميلة ومختلفة.