تعرّض الخليج العربي الممثل بدول مجلس التعاون، إلى سلسلة من الإضعاف الإستراتيجي لصورته الجيوسياسية التي تكشف واقعه على الأرض، هذه المواسم قُدمت مجاناً للعبة الصراع الإقليمي والدولي، من قبل دول المجلس، وبالذات خلال مرحة الأزمة الخليجية، التي لا يمكن عقلاً أن تَسقط من أي إعادة قراءة للواقع الجيوسياسي للخليج العربي، وبالذات في حديثنا عن مستقبل دول المجلس.
إن هذا الإرث يكشف حساباته اليوم بقسوة، فتقدم واشنطن كما ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي، إلى خطط جديدة يقوم على تحديد مصالحها من خلال مرحلة تقدير جديدة، ما هو الثابت وما هو المتحول في هذه المصالح؟
وما هو هنا معنى تقدم الإيرانيين إلى مواقع جديدة، وأين يقف موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، من الاعتراف بالنفوذ الإيراني الجديد في اليمن، وتثبيت وجود الحوثي، في ظل وصول الحرب إلى طريق مسدود لأنها نقضت الرمزية الشرعية لليمن الجمهوري وأضعفتها، وفتحت الباب لتفتيت اليمن، عبر مشروع الفصل للجنوب وتحويله كمستوطنة كيان اقتصادي هش سياسيا.
والخلاصة هنا أن واشنطن تتعامل عملياً مع هذا الفشل، ومن أولوياتها وقف الحرب للتفرغ للعبة الأمم الكبرى، والتي تحتاج لتحييد طهران، واستيعابها في منظومة مشاريع اقتصادية، هنا تبرز الكارثة الكبرى لسياسة المنطقة، فطهران التي راهنت سياسة محور خليجي على مواجهتها مع الغرب، الغرب ذاته يُنظّم سياسته معها بصورة منعزلة مختلفة عن دول المجلس الخليجي.
فما هي المرحلة التي نعيشها اليوم داخل دول الخليج العربي نفسه؟
هذا التفاهم الغربي الإيراني مهما طل وتعدت دوراته، فهو ينظم علاقاته مع المركز الغربي، أما الخليج العربي فقد فتت المجلس ذاته، ولم يحل فك الاشتباك في الأزمة الخليجية، معضلة الثقة بين أطراف المجلس، ليس مع قطر وحدها، بل مجمل الدول الست، حتى حلفاء اليوم، فالفردية والقلق القُطري هو من يحكم الموقف.
فماذا عن الزخم الإسرائيلي لشراكته في تأمين بعض هذه الدول؟
هذا الأمر اليوم وصعوده في الإعلام لا يعدو مطلقاً، كونه حملةً إعلامية سياسية، أقصى ما ستحصله، بعض الدعم السياسي المحدود من اللوبي الإسرائيلي القوي في واشنطن، أما تحول تل أبيب لقوة توازن ردع لصالح بعض الأطراف، فهو لا يملك مطلقاً أي قدرة على تغيير موازين استراتيجية، حتى مع أي عملية نوعية لتل أبيب داخل الحدود الإيرانية.
هذه القوة الإسرائيلية لا تملك تغيير معادلة الأمن القومي في الخليج العربي، ولن تسمح لها اللعبة الأميركية بذلك، لكون أن حسابات الغرب المركزي متداخلة، وتل أبيب تدرك مساحتها في هذه اللعبة، ولولا أن الغرب رأى في التوافق الإسرائيلي الإيراني على تثبيت الأسد في سوريا مصلحة ظاهرة له، لما سمح لهذا السيناريو أن يتم.
وعليه فإن الرهان على التوله للإسرائيليين رهان مفلس، في حين يعود الطرف الآخر في الخليج إلى بناء علاقة توازن مع تركيا، لكن بعد خسائر كبرى داخل منظومته، وتوازنه القومي العام، ولم يكن مطلوباً من دول الخليج التسليم لكل السياسات التركية ومصالحها القومية، وانما البحث عن المشترك معها، أما اليوم فالرجوع مفتت، واعتراف بواقع كان قائماً، نعم هو كذلك حمل تنازلاً واضحاً من تركيا، لتأمين قوتها الإقليمية الجديدة، واستعداد حزب العدالة للانتخابات المفصلية في 2023، لكن بالمجمل قوة تركيا الإقليمية ذاتية، ثابتة على الأرض، وتوازن نفوذ الإيرانيين كذلك يمثل قاعدة لعبة مع الغرب.
اما الخليج العربي ودول مجلسه فالعكس تماماً، ولن تتمكن هذه الدول من صناعة قوس حماية جيوسياسي، دون إصلاح منهج التفكير وتعزيز الاحترام والثقة ومعالجة الطريقة التي أدت إلى نكسة حزيران الخليجية، وهو يحتاج حد أدنى من الإصلاح الحقوقي الداخلي، وتحييد الفساد الضخم، ثم تنظيم الموقف الجماعي بعقلانية راسخة، يقودها المركز القادر على تحمل المسؤولية وكسب شعبه وحلفائه.
حينها ستكون هناك قدرات لتعديل الميزان، والتأثير على واقع العراق وسوريا ولبنان فضلا عن اليمن، لكن عبر القوة الناعمة التي تكسب الشعوب، وتُعيد اللحمة العربية، وليس الحروب التي زحفت تحتها إيران وهي تضحك من تضخم التهديد الخليجي، الذي باتت ظاهرته الصوتية لا تساوي شيئاً، في أمنه القومي.بقلم: مهنا الحبيل
إن هذا الإرث يكشف حساباته اليوم بقسوة، فتقدم واشنطن كما ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي، إلى خطط جديدة يقوم على تحديد مصالحها من خلال مرحلة تقدير جديدة، ما هو الثابت وما هو المتحول في هذه المصالح؟
وما هو هنا معنى تقدم الإيرانيين إلى مواقع جديدة، وأين يقف موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، من الاعتراف بالنفوذ الإيراني الجديد في اليمن، وتثبيت وجود الحوثي، في ظل وصول الحرب إلى طريق مسدود لأنها نقضت الرمزية الشرعية لليمن الجمهوري وأضعفتها، وفتحت الباب لتفتيت اليمن، عبر مشروع الفصل للجنوب وتحويله كمستوطنة كيان اقتصادي هش سياسيا.
والخلاصة هنا أن واشنطن تتعامل عملياً مع هذا الفشل، ومن أولوياتها وقف الحرب للتفرغ للعبة الأمم الكبرى، والتي تحتاج لتحييد طهران، واستيعابها في منظومة مشاريع اقتصادية، هنا تبرز الكارثة الكبرى لسياسة المنطقة، فطهران التي راهنت سياسة محور خليجي على مواجهتها مع الغرب، الغرب ذاته يُنظّم سياسته معها بصورة منعزلة مختلفة عن دول المجلس الخليجي.
فما هي المرحلة التي نعيشها اليوم داخل دول الخليج العربي نفسه؟
هذا التفاهم الغربي الإيراني مهما طل وتعدت دوراته، فهو ينظم علاقاته مع المركز الغربي، أما الخليج العربي فقد فتت المجلس ذاته، ولم يحل فك الاشتباك في الأزمة الخليجية، معضلة الثقة بين أطراف المجلس، ليس مع قطر وحدها، بل مجمل الدول الست، حتى حلفاء اليوم، فالفردية والقلق القُطري هو من يحكم الموقف.
فماذا عن الزخم الإسرائيلي لشراكته في تأمين بعض هذه الدول؟
هذا الأمر اليوم وصعوده في الإعلام لا يعدو مطلقاً، كونه حملةً إعلامية سياسية، أقصى ما ستحصله، بعض الدعم السياسي المحدود من اللوبي الإسرائيلي القوي في واشنطن، أما تحول تل أبيب لقوة توازن ردع لصالح بعض الأطراف، فهو لا يملك مطلقاً أي قدرة على تغيير موازين استراتيجية، حتى مع أي عملية نوعية لتل أبيب داخل الحدود الإيرانية.
هذه القوة الإسرائيلية لا تملك تغيير معادلة الأمن القومي في الخليج العربي، ولن تسمح لها اللعبة الأميركية بذلك، لكون أن حسابات الغرب المركزي متداخلة، وتل أبيب تدرك مساحتها في هذه اللعبة، ولولا أن الغرب رأى في التوافق الإسرائيلي الإيراني على تثبيت الأسد في سوريا مصلحة ظاهرة له، لما سمح لهذا السيناريو أن يتم.
وعليه فإن الرهان على التوله للإسرائيليين رهان مفلس، في حين يعود الطرف الآخر في الخليج إلى بناء علاقة توازن مع تركيا، لكن بعد خسائر كبرى داخل منظومته، وتوازنه القومي العام، ولم يكن مطلوباً من دول الخليج التسليم لكل السياسات التركية ومصالحها القومية، وانما البحث عن المشترك معها، أما اليوم فالرجوع مفتت، واعتراف بواقع كان قائماً، نعم هو كذلك حمل تنازلاً واضحاً من تركيا، لتأمين قوتها الإقليمية الجديدة، واستعداد حزب العدالة للانتخابات المفصلية في 2023، لكن بالمجمل قوة تركيا الإقليمية ذاتية، ثابتة على الأرض، وتوازن نفوذ الإيرانيين كذلك يمثل قاعدة لعبة مع الغرب.
اما الخليج العربي ودول مجلسه فالعكس تماماً، ولن تتمكن هذه الدول من صناعة قوس حماية جيوسياسي، دون إصلاح منهج التفكير وتعزيز الاحترام والثقة ومعالجة الطريقة التي أدت إلى نكسة حزيران الخليجية، وهو يحتاج حد أدنى من الإصلاح الحقوقي الداخلي، وتحييد الفساد الضخم، ثم تنظيم الموقف الجماعي بعقلانية راسخة، يقودها المركز القادر على تحمل المسؤولية وكسب شعبه وحلفائه.
حينها ستكون هناك قدرات لتعديل الميزان، والتأثير على واقع العراق وسوريا ولبنان فضلا عن اليمن، لكن عبر القوة الناعمة التي تكسب الشعوب، وتُعيد اللحمة العربية، وليس الحروب التي زحفت تحتها إيران وهي تضحك من تضخم التهديد الخليجي، الذي باتت ظاهرته الصوتية لا تساوي شيئاً، في أمنه القومي.بقلم: مهنا الحبيل