أرسلتْ زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه لأنَّ ابناً صغيراً لها يُحتضر.
فأرسل إليها يقول: إنَّ للهِ ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مُسمَّى، فلتصبري ولتحتسبي.
فأرسلتْ إليه مجدداً تُقسِم عليه أن يأتيها، فجاءها في جماعة من أصحابه، منهم سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، فَجِيءَ له بالصبيِّ وأنفاسه تتقطع في النَّزعِ الأخير، ففاضتْ عينا النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالبكاء!
فقل له سعد بن عبادة: ما هذا يا رسول الله؟
فقال له: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحمُ اللهُ من عباده الرُّحماء!
البكاء على فقد الأحبة لا يتنافى مع الصبر، وقد بكى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقدَ الكثير من أحبابه، على أنه يجب أن يُعلم أن الرحمة ليستْ مقتصرة على البكاء، وأن الرحماء من عباد اللهِ ليسوا هم الذين يبكون عند الفقد فقط!
الرَّحمة على عباد الله سلوك عملي يمكنكَ أن تمارسه كل يوم!
عندما تجد زوجتك غارقة في شغل البيت وتقوم لتمدَّ إليها يد المساعدة فأنتَ من الرُّحماء! وعندما تُغضبكَ بتصرفٍ منها فتمسك زمام غضبكَ وتتغاضى فأنتَ من الرحماء أيضاً!
عندما تجد بائعاً مسكيناً على قارعة الطريق فتنزل لتشتري منه، ولا تجادله في السعر، وتتغاضى في بضعة دراهم تحتسبها عند اللهِ صدقةً خفية فأنتَ من الرحماء! إنَّ مما يندى له الجبين أننا نرى من يجلسُ يفاوض بائعاً مسكيناً قي درهم أو درهمين، وريال وريالين كأنه يعقِدُ صفقةً لشراء كوكب الأرض، وإذا ذهبَ إلى مطعم مرموق ترك إكرامية من باب «البرستيج» الاجتماعي تكاد تكون ما يحصله البائع المسكين من ربح طوال يومه!
وعندما ينشبُ خلاف زوجي بين قريبين لكَ، فيفطر قلبكَ أن تضيع الأُسرة، ويتفرق شملها، فتجري بالصلح بين المتخاصمين، وتقرب وجهات النظر، وتعيد المياه إلى مجاريها فأنتَ من الرحماء!
وعندما تسمع بمرض إنسان فقير إذا حضرَ لم ينتبه له أحد، وإذا غابَ لم يفتقده أحد، فتزوره في بيته، وتجبر خاطره، وترى إن كان يحتاج مساعدة فأنتَ من الرحماء!
وعندما تساعِدُ زملاءكَ في العمل، فتسدَّ عن أحدهم غيابه الاضطراري، فأنتَ من الرحماء!
كل نفعٍ، وجبر خاطر، وإحسان تسديه إلى الناس تبتغي بذلك وجه الله فهو رحمة في قلبك ستجدُ عند الرحمن رحمة أكبر منها!
بقلم: أدهم شرقاوي