سمير البرغوثي
صحفي وكاتب أردني لكل من عاش ليلة الثاني من أغسطس 1990 ليلة غزو العراق للكويت ذكريات.. بعضهم وصفها بذكريات غير جميلة من الزمن الجميل.. وبعضهم وصفها بأنها نقطة تحول العالم العربي إلى عصر الانحطاط.. وعودة إلى الاستعمار الجديد.. غزو خطط له لدق المسمار الأخير في نعش أمة كانت تتطلع إلى تحرير فلسطين.. فالانتفاضة كانت في أوجها.. وبدعم كويتي مالي وسياسي كبير جدا.. وأيضا بسند ودعم عسكري ومعنوي عراقي كبير جدا.. والدول الراجفة الخانعة الخائفة كانت تخشى أن تتطور الانتفاضة من انتفاضة حجارة إلى انتفاضة سلاح.. فكانت المؤامرة على البلدين العربيين الأقوى ماليا الكويت وعسكريا العراق.. فوقع الغزو الذي شهدت أحداثه منذ الطلقة الأولى في العبدلي - الحدود مع العراق إلى آخر غارة تنهي القوة العسكرية في بغداد لترتفع فاتورة الحرب إلى أكثر من 60 مليار دولار.. وتنفست إسرائيل الصعداء بإنهاء أقوى جيش عربي كان قائده يعلن «سنحرق نصف إسرائيل».
هذه الحرب شهدت أحداثا وذكريات ومآسي.. ولقد سجلت العديد من حكايات ليلة الغزو وحكايات من قصص ضحايا «أم المهالك» أو أم المعارك.
وما أورده هنا هو سرد لذكريات شخصية وأحداث حقيقية شكّلت مخزوناً في الذاكرة رواها أصحابها كما وقعت وهي ليست تأريخا ولا تسجيلا لموقف يقول أحد الذين سجلت رواياتهم حيث تتشابه الروايات في الحرب لكن لكل وجهة نظر:
كنّا في صبيحة ذلك اليوم على موعد مع زلزال رهيب بقوّة 8.2 درجة على مقياس الغدر وسوء الجيرة، زلزال لم تستطع السنين والعقود محو آثاره التي صبغت كلّ دول المنطقة بسواد المشاعر والأحاسيس والفرقة كما بسواد النفط المحترق.
كانت صدمة أذهلتنا فقد كنت قد وصلت إلى مقرّ عملي في أحد البنوك بمنطقة المباركية بصحبة أخي محمد البدّاد وكانت الساعة تشارف على السادسة صباحاً (كنّا نعمل في دائرة الكمبيوتر بنظام الشفتات على مدار الـ 24 ساعة)، حين رنّ جرس الهاتف وكان على الطرف الآخر مدير الدائرة وهو بريطاني الجنسية ودار بيننا هذا الحوار:
هو «انظر من الشبّاك، هل ترى أية دبّابات أو قوّات في الشارع ؟» .. باغتني السؤال فعلاً وحين نظرت من شباك مكتبه رأيت فعلاً دبّابة تمرّ أمام مبنى البنك ولكنّي لم أتبيّن إن كانت كويتية أم عراقية، قلت له «نعم.. هناك دبّابة فعلاً».
فقال «حسناً.. لقد وقع البلد في قبضة العراق»!!!
قلت «حسناً.. ماذا تقترح أن نفعل ؟»
هو: «You Are On Your Own» بما معناه «افعلوا ما ترونه مناسبًا».. وهنا قلت في نفسي «ليست المرّة الأولى التي يقول فيها بريطانيّ هذه الجملة، فبمثل هذا الردّ ضاعت فلسطين» !!!!
بادرنا فوراً أنا وزملائي بالعمل على نسخ نسخة إضافية من كافّة سجلّات البنك وحساباته ونسخها على أقراص مغناطيسية وأشرطة معدنية حافظنا من خلالها على حقوق الناس.. وإن كنا نحن ضحية الضحية!!
smr_alibar@yahoo.com
صحفي وكاتب أردني لكل من عاش ليلة الثاني من أغسطس 1990 ليلة غزو العراق للكويت ذكريات.. بعضهم وصفها بذكريات غير جميلة من الزمن الجميل.. وبعضهم وصفها بأنها نقطة تحول العالم العربي إلى عصر الانحطاط.. وعودة إلى الاستعمار الجديد.. غزو خطط له لدق المسمار الأخير في نعش أمة كانت تتطلع إلى تحرير فلسطين.. فالانتفاضة كانت في أوجها.. وبدعم كويتي مالي وسياسي كبير جدا.. وأيضا بسند ودعم عسكري ومعنوي عراقي كبير جدا.. والدول الراجفة الخانعة الخائفة كانت تخشى أن تتطور الانتفاضة من انتفاضة حجارة إلى انتفاضة سلاح.. فكانت المؤامرة على البلدين العربيين الأقوى ماليا الكويت وعسكريا العراق.. فوقع الغزو الذي شهدت أحداثه منذ الطلقة الأولى في العبدلي - الحدود مع العراق إلى آخر غارة تنهي القوة العسكرية في بغداد لترتفع فاتورة الحرب إلى أكثر من 60 مليار دولار.. وتنفست إسرائيل الصعداء بإنهاء أقوى جيش عربي كان قائده يعلن «سنحرق نصف إسرائيل».
هذه الحرب شهدت أحداثا وذكريات ومآسي.. ولقد سجلت العديد من حكايات ليلة الغزو وحكايات من قصص ضحايا «أم المهالك» أو أم المعارك.
وما أورده هنا هو سرد لذكريات شخصية وأحداث حقيقية شكّلت مخزوناً في الذاكرة رواها أصحابها كما وقعت وهي ليست تأريخا ولا تسجيلا لموقف يقول أحد الذين سجلت رواياتهم حيث تتشابه الروايات في الحرب لكن لكل وجهة نظر:
كنّا في صبيحة ذلك اليوم على موعد مع زلزال رهيب بقوّة 8.2 درجة على مقياس الغدر وسوء الجيرة، زلزال لم تستطع السنين والعقود محو آثاره التي صبغت كلّ دول المنطقة بسواد المشاعر والأحاسيس والفرقة كما بسواد النفط المحترق.
كانت صدمة أذهلتنا فقد كنت قد وصلت إلى مقرّ عملي في أحد البنوك بمنطقة المباركية بصحبة أخي محمد البدّاد وكانت الساعة تشارف على السادسة صباحاً (كنّا نعمل في دائرة الكمبيوتر بنظام الشفتات على مدار الـ 24 ساعة)، حين رنّ جرس الهاتف وكان على الطرف الآخر مدير الدائرة وهو بريطاني الجنسية ودار بيننا هذا الحوار:
هو «انظر من الشبّاك، هل ترى أية دبّابات أو قوّات في الشارع ؟» .. باغتني السؤال فعلاً وحين نظرت من شباك مكتبه رأيت فعلاً دبّابة تمرّ أمام مبنى البنك ولكنّي لم أتبيّن إن كانت كويتية أم عراقية، قلت له «نعم.. هناك دبّابة فعلاً».
فقال «حسناً.. لقد وقع البلد في قبضة العراق»!!!
قلت «حسناً.. ماذا تقترح أن نفعل ؟»
هو: «You Are On Your Own» بما معناه «افعلوا ما ترونه مناسبًا».. وهنا قلت في نفسي «ليست المرّة الأولى التي يقول فيها بريطانيّ هذه الجملة، فبمثل هذا الردّ ضاعت فلسطين» !!!!
بادرنا فوراً أنا وزملائي بالعمل على نسخ نسخة إضافية من كافّة سجلّات البنك وحساباته ونسخها على أقراص مغناطيسية وأشرطة معدنية حافظنا من خلالها على حقوق الناس.. وإن كنا نحن ضحية الضحية!!
smr_alibar@yahoo.com