قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم مرَّةً لأصحابه: لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناسٌ مُحدَّثون، فإن يكُ في أمتي أحدٌ، فإنَّه عُمر!
جعلَ الله سبحانه وتعالى هذه الدنيا أرزاقاً، ووزَّع كل شيءٍ بحكمة عَلِمَها وإن خفيت عن الناس، فاللهُ تعالى لم يخلق فقيراً عن قلة ذات يدٍ منه، ولم يخلق غنياً محاباةً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ولكنها دار امتحان! وكما وزَّع الله سبحانه الأموال بتفاوت لحكمته، كذلكَ وزَّع الصحة، والعقول، فإن ما بين عقول الخلق من تفاوت أكثر مما في أرزاقهم!
كان الباقلانيَّ داهية من دواهي المسلمين، أرسله الخليفة يوماً مبعوثاً منه إلى ملكِ الروم في القسطنطينية، فلما دخل عليه وجد عنده كبار الأساقفة والرهبان، فأراد أن يستغل الموقف للدعوة إلى الله، فتقدَّم بذكاءٍ نحو الراهب الأكبر وقال: كيف حالكَ، وكيف حال زوجتك وأولادك؟
فغضبَ ملك الروم وقال له: نزّه كبيرنا، ألا تعلم أن الرهبان لا يتزوجون ولا ينجبون!
فقال الباقلاني: سبحان الله، تُنزِّهون رهبانكم عن الزواج والإنجاب، ثم تتهمون ربكم أنه تزوَّج مريم وأنجب منها عيسى عليه السلام!
عندها قال له ملك الروم بوقاحة: فما قولك في عائشة؟!
فقال الباقلاني: إن كانت عائشة قد اتُهمتْ، فإن مريم قد اتُهمتْ أيضاً، وكلتاهما طاهرة بريئة، ولكن عائشة تزوجتْ ولم تُنجب، ومريم أنجبتْ ولم تتزوج، فأيهما تكون أولى بالتهمة الباطلة وحاشاهما رضي الله عنهما!
فجُنَّ جنون الملك، وقال له: هل كان نبيكم يغزو؟
فقال الباقلاني: نعم.
فقال الملكُ: فهل كان يُقاتل في المقدمة؟
فقال الباقلاني: نعم.
فقال الملك: فهل كان ينتصر؟
قال الباقلاني: نعم
قال الملك: فهل كان يُهزم؟
قال الباقلاني: نعم.
فقال الملك: نبي ويُهزم؟!
فقال الباقلاني: إله ويُصلب؟!
فسكتَ الملكُ ولم يتكلم بعدها بكلمة!
الفكرة من كل هذا أن الناس عقول ومشارب، منهم فائق الذكاء، ومنهم المتوسط، ومنهم البليد الذي يصعب عليه فهم أبسط الأمور، وهذه حقيقة يجب أن يتعامل معها التربويون بجدية تامة، وأن تقوم العملية التربوية برمتها على هذه الحقيقة، وانتظار نفس النتائج وذات الاستيعاب من الطلاب جميعاً فهذا كبذر القمح في البحر وانتظاره أن يصير سنابل!
على أن البليد، ومتوسط الذكاء ليس مادة للسخرية ولا للتنمر والتهكم، وإنما يُنظر إلى قدرات المرء العقلية، فيولّى من الأعمال ما يناسب هذه القدرات، ومن رحمة الله بالناس أنه جعل لكل إنسان عملاً يقوم به ولا يستغني الناس عن عمله ذاك، فالمجتمع سلسلة بحاجة إلى كل حلقاتها لتكتمل. ثم إن الأمر كله في الإيمان فإنك تجد البسيط من الناس يرتاد المساجد ويسجد لربه ملء قلبه، وتجد رائد فضاءٍ يعبدُ بقرة، وجرَّاح أعصاب ينكر أن لهذا الكون خالقاً!بقلم: أدهم شرقاوي
جعلَ الله سبحانه وتعالى هذه الدنيا أرزاقاً، ووزَّع كل شيءٍ بحكمة عَلِمَها وإن خفيت عن الناس، فاللهُ تعالى لم يخلق فقيراً عن قلة ذات يدٍ منه، ولم يخلق غنياً محاباةً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ولكنها دار امتحان! وكما وزَّع الله سبحانه الأموال بتفاوت لحكمته، كذلكَ وزَّع الصحة، والعقول، فإن ما بين عقول الخلق من تفاوت أكثر مما في أرزاقهم!
كان الباقلانيَّ داهية من دواهي المسلمين، أرسله الخليفة يوماً مبعوثاً منه إلى ملكِ الروم في القسطنطينية، فلما دخل عليه وجد عنده كبار الأساقفة والرهبان، فأراد أن يستغل الموقف للدعوة إلى الله، فتقدَّم بذكاءٍ نحو الراهب الأكبر وقال: كيف حالكَ، وكيف حال زوجتك وأولادك؟
فغضبَ ملك الروم وقال له: نزّه كبيرنا، ألا تعلم أن الرهبان لا يتزوجون ولا ينجبون!
فقال الباقلاني: سبحان الله، تُنزِّهون رهبانكم عن الزواج والإنجاب، ثم تتهمون ربكم أنه تزوَّج مريم وأنجب منها عيسى عليه السلام!
عندها قال له ملك الروم بوقاحة: فما قولك في عائشة؟!
فقال الباقلاني: إن كانت عائشة قد اتُهمتْ، فإن مريم قد اتُهمتْ أيضاً، وكلتاهما طاهرة بريئة، ولكن عائشة تزوجتْ ولم تُنجب، ومريم أنجبتْ ولم تتزوج، فأيهما تكون أولى بالتهمة الباطلة وحاشاهما رضي الله عنهما!
فجُنَّ جنون الملك، وقال له: هل كان نبيكم يغزو؟
فقال الباقلاني: نعم.
فقال الملكُ: فهل كان يُقاتل في المقدمة؟
فقال الباقلاني: نعم.
فقال الملك: فهل كان ينتصر؟
قال الباقلاني: نعم
قال الملك: فهل كان يُهزم؟
قال الباقلاني: نعم.
فقال الملك: نبي ويُهزم؟!
فقال الباقلاني: إله ويُصلب؟!
فسكتَ الملكُ ولم يتكلم بعدها بكلمة!
الفكرة من كل هذا أن الناس عقول ومشارب، منهم فائق الذكاء، ومنهم المتوسط، ومنهم البليد الذي يصعب عليه فهم أبسط الأمور، وهذه حقيقة يجب أن يتعامل معها التربويون بجدية تامة، وأن تقوم العملية التربوية برمتها على هذه الحقيقة، وانتظار نفس النتائج وذات الاستيعاب من الطلاب جميعاً فهذا كبذر القمح في البحر وانتظاره أن يصير سنابل!
على أن البليد، ومتوسط الذكاء ليس مادة للسخرية ولا للتنمر والتهكم، وإنما يُنظر إلى قدرات المرء العقلية، فيولّى من الأعمال ما يناسب هذه القدرات، ومن رحمة الله بالناس أنه جعل لكل إنسان عملاً يقوم به ولا يستغني الناس عن عمله ذاك، فالمجتمع سلسلة بحاجة إلى كل حلقاتها لتكتمل. ثم إن الأمر كله في الإيمان فإنك تجد البسيط من الناس يرتاد المساجد ويسجد لربه ملء قلبه، وتجد رائد فضاءٍ يعبدُ بقرة، وجرَّاح أعصاب ينكر أن لهذا الكون خالقاً!بقلم: أدهم شرقاوي