سمعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم شِجار خصمين بالباب قد ارتفعتْ أصواتهما، وإذا أحدهما يطلب من صاحبه أن يخفف عنه الدَّين الذي أقرضه إياه شيئاً، وأن يترفقَ به في السداد، ويطيل له المدة.
فقال له صاحبه: واللهِ لا أفعل!
فخرج عليهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: أين المتآلي على الله لا يفعل المعروف؟
فقال: أنا يا رسول الله، وله أي ذلكَ أحبَّ/ أي فليخترْ لنفسه أن أُخفف عنه من الدَّين، أو أترفْقَ به في السَّداد وأطيل له المدة!
ليستْ العبرة في الحديث أن نقف ضد صاحب الحق، ولا أن نشجِّع الناس على عدم أداء ديونهم ودفع ما عليهم من مستحقات، وإنما العبرة أن يتعامل الناس بأخلاق ورحمة قبل أن يتعاملوا بالحق والواجب!
هذه الدنيا لا تستقر على حال، يوم فقر ويوم غنى، يوم صحة ويوم مرض، وما منا إلا وقد مرَّتْ به ظروف قد احتاجَ غيره فيها، أو مرَّتْ بغيره ظروف سخَّره الله ليقف إلى جانبه، فليستْ سُبَّةً أن تضيق الحال بالمرء، وليست منقصة أن يقصد غيره ليفكَّ ضائقته، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي!
ولكن العيب أن تكون المعاملة بين الأرحام، والأصدقاء، والجيران من مبدأ: دبِّرْ نفسكَ أنا أريد حقي!
طبعاً أنت صاحب الحق، ولا يلغي حقك شيء غير أن تتنازل عنه بإرادتك، وإنما الفكرة أن الإنسان في عبادة طوال يومه، والإحسان إلى الناس من أرقى العبادات، وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى، وفرق شاسع بين من ينكر أن لكَ مالاً عنده من الأساس، وبين من يأتيك منكسراً، يطلبُ منكَ شيئاً من الرفق، والتيسير، الأول عليكَ أن تسلك كل الطرق المشروعة والمتاحة معه لاستعادة حقك، ولو لجأتَ إلى القضاء. أما الثاني فمن العيب أن لا ترحم كرامته، وتجبر خاطره، وتحفظ له ماء وجهه!
وتذكر دوماً أنكَ تتعامل مع رب كريم وفيّ، يُثِيب على الحسنة من نوعها، فمن فرَّجَ عن مسلمٍ كربةَ من كُرب الدنيا، فرَّج الله عنه كربةً من كرب الآخرة، ومن سترَ مسلماً في الدنيا ستره الله يوم القيامة، وليست في الآخرة فقط وإنما في الدنيا كذلكَ، الله أكرم من أن تعينَ إنساناً ثم إذا احتجتَ عوناً أن لا يسخِّر لكَ من يعينك، والله أكرم من أن تجبر خاطر إنسان ثم يترك خاطركَ مكسوراً، كل يد مساعدة تمدها للناس، كل جبر خاطر، كل عفو وصفح، كل قضاء حاجة، كل ستر، يحفظه الله لكَ، فإذا دارتْ بكَ الأيام وجدتها أمامكَ كفلق الصبح، أو لعلَّ الأيام لن تدور بكَ من الأساس لأنكَ شكرتَ النعمة بحسن فعلك، وبالشكر تدوم النِعم!
بقلم: أدهم شرقاوي