لا أحد فينا يختار موطنه أو والديه أو عرقه أو حتى طول قامته ولون عينيه. نأتي إلى هذا العالم كبراعم أزهار ترى النور لأول مرة، ولا تدري ما سيؤول إليه حالها في المستقبل. وتمضي الأيام تباعاً فنكبر ونخوض تجارب الحياة المتنوعة، نخفق تارة وننجح تارة أخرى، نتعلم من أخطائنا حيناً، ونعيد ارتكاب نفس الأخطاء حيناً آخر ليكون الدرس أقسى. كل ذلك ونحن لا نعلم على وجه الدقة ما تخبئه لنا الأيام القادمة.
وكما يقول المثل: «يوم لك ويوم عليك»، فأيام مشرقة كأنما الشمس مدت أصابعها الذهبية لتداعب أجسادنا بلطف وتمدنا بالدفء، وأيام معتمة نكاد لا نبصر فيها حتى بصيص نور في آخر النفق. ومع ذلك نمضي يحدونا الأمل بغد أفضل.
لكن هذا ليس حال الكل، فبعض الناس يعيشون حاضرهم غارقين في أحزان الماضي وذكرياته، يعيدون كل ساعة شريط الذكريات المؤلمة لينغمسوا بكل كيانهم في تلك اللحظات الجميلة التي أعلنت رحيلها إلى الأبد، ولم يعد لها وجود إلا في مخيلتهم ووجدانهم. هذه الطريقة في العيش أشبه بمن يحلم طيلة الوقت وهو مستيقظ، فلا هو مستمتع بحلمه ولا بواقعه، لأنه منفصل عن الحاضر بأخيلة يعلم يقيناً أنها مجرد أوهام نسجها عقله الذي يحاول أن يخترع واقعاً لم يعد له أثر.
وآخرون يقضون حياتهم وهم يندبون حظهم العاثر الذي حكم عليهم بالنشأة في بلد ليست فيه فرص حقيقية لتحقيق النجاح، أو لأنهم ولدوا منتمين إلى عرق معين يعاني أفراده اضطهاد كثير من الناس في مختلف بقاع الدنيا، أو لكونهم ترعرعوا في أسرة فقيرة بينما بعض من يعرفونهم كان الحظ إلى جانبهم، فتربوا في عائلة ثرية أمنت لهم كل سبل الراحة ووسائل النجاح، دون أن يضطروا لبذل جهد خارق في سبيل تأمين لقمة العيش لا أكثر، فقط لأنهم ولدوا وفي فمهم ملعقة من ذهب.
الحقيقة هي أننا بالفعل لا نختار وضعنا المعيشي ولا شكل أجسادنا ولا كثيراً من مجريات حياتنا، لكن ذلك لا يعني أننا لا نملك حرية الاختيار. فربما لم تولد غنيّاً، لكن هذا ليس حكماً أبديّاً بأنك ستبقى فقيراً مدى الحياة، بل إن كثيراً ممن نشئوا تحت ظروف معيشية قاسية للغاية، أصبحوا فيما بعد من أثرى أثرياء العالم. وكثير ممن حرمتهم الحياة من حاسة أو عضو مهم من أعضاء الجسد لم يستسلموا للأمر الواقع، واستطاعوا تحقيق ما لم يقدر ملايين الناس ممن يتمتعون بكامل الصحة والعافية من تحقيقه.
إن الحياة مجرد كتاب، بيد أننا مجبورون على أن نعيش صفحاته بالترتيب. ولا يمكننا اختيار الصفحة التي نشاء، ولهذا علينا أن نرضى بكل شيء، فربما تكون الصفحة القادمة أجمل. لذلك صدق من قال: «القناعة كنز لا يفنى»، ولا نقصد بها تلك القناعة التي يراد بها أن تقبل وضعك الراهن كما هو دون محاولة تغييره إلى الأفضل، بل نعني بذلك أن تتقبل الواقع الذي ولدت فيه وكل ما يحدث في حياتك، خصوصاً ما يقع خارج نطاق اختيارك بصدر رحب، وتعمل من تلك النقطة على تطوير نفسك وبناء مستقبل أكثر إشراقاً. ربما تحيا اليوم في واقع لا يعجبك، ووضع معيشي لا يطاق، وتحس بأنك تفتقر إلى الكثير من الأشياء التي يمكن أن تجعلك سعيداً. لكن قبولك لهذا الواقع وامتنانك الدائم لأقل نعمة فيه مهما كانت صغيرة وبسيطة، مع التصميم على التقدم إلى الأمام، سيكون له دور كبير في قلب الطاولة وتغيير مستقبلك. فتفاءل بالخير، علّ الصفحة القادمة أجمل.
بقلم :حمد حسن التميمي
وكما يقول المثل: «يوم لك ويوم عليك»، فأيام مشرقة كأنما الشمس مدت أصابعها الذهبية لتداعب أجسادنا بلطف وتمدنا بالدفء، وأيام معتمة نكاد لا نبصر فيها حتى بصيص نور في آخر النفق. ومع ذلك نمضي يحدونا الأمل بغد أفضل.
لكن هذا ليس حال الكل، فبعض الناس يعيشون حاضرهم غارقين في أحزان الماضي وذكرياته، يعيدون كل ساعة شريط الذكريات المؤلمة لينغمسوا بكل كيانهم في تلك اللحظات الجميلة التي أعلنت رحيلها إلى الأبد، ولم يعد لها وجود إلا في مخيلتهم ووجدانهم. هذه الطريقة في العيش أشبه بمن يحلم طيلة الوقت وهو مستيقظ، فلا هو مستمتع بحلمه ولا بواقعه، لأنه منفصل عن الحاضر بأخيلة يعلم يقيناً أنها مجرد أوهام نسجها عقله الذي يحاول أن يخترع واقعاً لم يعد له أثر.
وآخرون يقضون حياتهم وهم يندبون حظهم العاثر الذي حكم عليهم بالنشأة في بلد ليست فيه فرص حقيقية لتحقيق النجاح، أو لأنهم ولدوا منتمين إلى عرق معين يعاني أفراده اضطهاد كثير من الناس في مختلف بقاع الدنيا، أو لكونهم ترعرعوا في أسرة فقيرة بينما بعض من يعرفونهم كان الحظ إلى جانبهم، فتربوا في عائلة ثرية أمنت لهم كل سبل الراحة ووسائل النجاح، دون أن يضطروا لبذل جهد خارق في سبيل تأمين لقمة العيش لا أكثر، فقط لأنهم ولدوا وفي فمهم ملعقة من ذهب.
الحقيقة هي أننا بالفعل لا نختار وضعنا المعيشي ولا شكل أجسادنا ولا كثيراً من مجريات حياتنا، لكن ذلك لا يعني أننا لا نملك حرية الاختيار. فربما لم تولد غنيّاً، لكن هذا ليس حكماً أبديّاً بأنك ستبقى فقيراً مدى الحياة، بل إن كثيراً ممن نشئوا تحت ظروف معيشية قاسية للغاية، أصبحوا فيما بعد من أثرى أثرياء العالم. وكثير ممن حرمتهم الحياة من حاسة أو عضو مهم من أعضاء الجسد لم يستسلموا للأمر الواقع، واستطاعوا تحقيق ما لم يقدر ملايين الناس ممن يتمتعون بكامل الصحة والعافية من تحقيقه.
إن الحياة مجرد كتاب، بيد أننا مجبورون على أن نعيش صفحاته بالترتيب. ولا يمكننا اختيار الصفحة التي نشاء، ولهذا علينا أن نرضى بكل شيء، فربما تكون الصفحة القادمة أجمل. لذلك صدق من قال: «القناعة كنز لا يفنى»، ولا نقصد بها تلك القناعة التي يراد بها أن تقبل وضعك الراهن كما هو دون محاولة تغييره إلى الأفضل، بل نعني بذلك أن تتقبل الواقع الذي ولدت فيه وكل ما يحدث في حياتك، خصوصاً ما يقع خارج نطاق اختيارك بصدر رحب، وتعمل من تلك النقطة على تطوير نفسك وبناء مستقبل أكثر إشراقاً. ربما تحيا اليوم في واقع لا يعجبك، ووضع معيشي لا يطاق، وتحس بأنك تفتقر إلى الكثير من الأشياء التي يمكن أن تجعلك سعيداً. لكن قبولك لهذا الواقع وامتنانك الدائم لأقل نعمة فيه مهما كانت صغيرة وبسيطة، مع التصميم على التقدم إلى الأمام، سيكون له دور كبير في قلب الطاولة وتغيير مستقبلك. فتفاءل بالخير، علّ الصفحة القادمة أجمل.
بقلم :حمد حسن التميمي