في الطريق إلى غزوة بني المصطلق، لطمَ رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاريُّ: يا للأنصار،
وقال المهاجري: يا للمهاجرين..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال دعوى الجاهلية؟
قالوا: يا رسول الله لطمَ رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار..
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها مُنتنة/‏ أي العصبية الجاهلية..
فقال عبد الله بن سلول رأس النفاق: واللهِ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنَّ الأعزُّ منها الأذل..!
يريدُ أن يقول إن المهاجرين قلة، أذلاء، وإنه سيطردهم ضارباً بعرض الحائط كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن نتن العصبية الجاهلية.
فقال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: دعني أضرب عنق هذا المنافق..
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: دعه، لا يتحدَّثُ الناس أن محمداً يقتل أصحابه!
حادثة عظيمة لمن وعاها بقلبه وعقله..
ابن سلول يصف النبيُّ صلى الله عليه وسلم والمهاجرين الذين معه بالأذلاء، وتوَّج هذا النفاق بأن عاد بثلث الجيش إلى المدينة قبل المعركة، كان أكثرهم منافقين على شاكلته، والأمر لم يتعلق يوماً بالعدد وإنما بالنوعية، وصدق ربنا حين قال: «لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا»، وهو يستحقُّ القتل، ورأي عمر بن الخطاب صواب، بدليل أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يقُل له لا يا عمر إنه لا يستحق القتل، وإنما أقرَّ الحكم ولكنه تركه مع وقف التنفيذ لحكمة عظيمة: لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه..
الحياة تضعنا أحياناً في امتحانات شاقة، نعرفُ الصواب الذي يجب أن نقوله أو نفعله، ولكن الحكمة تقتضي أن لا نقول ولا نفعل، أن نصبر ونتغاضى لأجل قاعدة عظيمة من قواعد هذا الدين العظيم: درءُ المفاسد مقدَّم على جلب المصالح!
لا شك أنه في قتل ابن سلول مصلحة، ولكن يقابلها مفسدة عظيمة أن يقول الناس إن النبي صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، والناس بعيدون لم يروا ولم يسمعوا، ولم يقفوا على تفاصيل الحادثة، وكل ما يعنيهم هي النتيجة، وقد أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يصبر لأجل سمعته، وسمعة دعوته ..
في الحياة لو خاصمتَ وقاطعتَ بعد أذى نالكَ ما كنتَ مخطئاً، ولكن الحكمة تقتضي أن لا تفعل كي لا يُقال إنك العاق أو القاطع، الناس لا ترى إلا النتائج أما الأسباب التي أدت إلى ذلك فلا تراها، وعلى المرء أن يشتري سمعته، فالإنسان نهاية المطاف سُمعة..
بقلم: أدهم شرقاوي