أُتيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم برجلٍ قد شرب الخمر، فقال: اضربوه.
فضربه الصحابة حدَّ شارب الخمر.
فلما انصرفَ قال له بعضهم: أخزاك الله!
فقال لهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا، لا تُعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا: اللهمَّ اغفر له، اللهمَّ ارحمه!
كان لعمر بن الخطاب صديقٌ حسنُ الخُلق والسيرة، ذهبَ إلى الشَّام فيمن ذهب إليها بعد فتحها، ثم ما لبثَ أن انقلبتْ أحواله، وزيَّن له الشيطان أعماله، فأقبل على شرب الخمر حتى عُرف ذلك عنه.
وحدثَ أن جاء رجلٌ من الشام، فأخذ عمر يسأله عن الناس والحُكم وسير الأمور، وكان ممن سأل عنهم صاحبه هذا..
فقال الرجل: ذاك أخو الشيطان، إنه قارف الكبائر حتى وقع في الخمر!
فكتب إليه عمر يقول: من عمر بن الخطاب إلى فلان، سلامٌ عليكَ فإني أحمدُ إليك الله، «غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَ?هَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ».
ثم قال لأصحابه: ادعوا لأخيكم أن يُقبل بقلبه، ويتوب الله عليه.
فلما بلغَ كتابُ عمر الرَّجُلَ، جعلَ يقرأه ويردده، ويقول: غافر الذّنب، قابل التَّوب، شديد العقاب، وقد حذَّرني عقوبته، ووعدني أن يغفر لي، فلم يزل يرددها على نفسه، حتى بكى، وتاب، وأحسن التوبة.
فلما بلغ عمر بن الخطاب خبره قال: هكذا فاصنعوا، وإذا رأيتم أخاً لكم زلَّ زلة فسددوه، وادعوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه!
بهذه الشَّريعة جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم، بالسماحة والإشفاق، باللين والرحمة، بالأخذ بيد الناس إلى الله لا بالوقوف بينهم وبينه!
ما أرسل الله تعالى الأنبياء إلا للعصاة من خلقه، ولو كانوا مؤمنين ما احتاجوا إلى الأنبياء أساساً!
أرسلهم وملأ قلوبهم رحمة على خلقه، فإذا عاد أحد من الناس إلى الله فرحوا بعودته، وإذا ضلَّ إنسان ومات على ضلالة حزنوا لإنسان هلكَ على هذه الشاكلة!
زار النبيُّ صلى الله عليه وسلم يهودياً، فوجد له ابناً مريضاً، فجعل يعرض الإسلام عليه، والصبيُّ ينظر إلى أبيه.
فقال له الأب: أطِعْ أبا القاسم.
فأسلم الصبيُّ، وخَرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمدُ لله الذي أنقذه من النار!
كم مرة انتكس صديق لنا فأخذنا بيده، وقلنا له: هذا ليس أنتَ، أنتَ الذي أعرفه يمشي في طريق الله، فوعظناه وذكرناه باللين والرحمة! فإن عاد فالحمد لله وإن لم يعد، فقد اُعذرنا إلى الله وقمنا بواجبنا تجاه صديقنا!
هل قمنا في الثلث الأخير من الليل وتوضأنا، وصلينا ركعتين وقلنا: اللهم فلاناً صديقنا، كان يمشي إليك ثم انتكس فأعده إلى طريقك؟!
بقلم: أدهم شرقاوي