+ A
A -
أعلن وزير الخارجية الجزائري تبريرات قرار قطع العلاقات مع المغرب، لكن تاريخ التوتر السياسي بين البلدين أعمق من الانفجار الأخير، ولعل هناك عناصر قديمة في جذور الصراع بين البلدين قرأتها في سيرة الأمير عبد القادر الجزائري، لكن جوهر المشكلة الكبرى، التي استهلكت عقوداً من التصعيد والسياسات والتوظيفات المتعددة للجماعات السياسية، كانت تذهب لفواتير الصراع على قضية الصحراء الغربية.
صراعٌ حكم ميزان العلاقة بين البلدين وأوصلها إلى هذا المستوى، ومجرد مراجعة المشهد العربي العام، تشعر بأن جغرافيا الوطن العربي اليوم تكاد تتهاوى، إما في صراع داخلي تحكمه معادلة استثمار إقليمي أو دولي، تسقط فيه أرضية التوافق للمجتمعات الوطنية المتعددة، هذا السقوط ساهمت فيه الثورة المضادة، وسلوك عناصر الثورات ذاتها، من خلال أخطاء كبرى انزلقت بها تيارات هذه الدولة أو تلك إلى الهاوية السحيقة.
أو بسبب الصراعات القُطرية بين الدول العربية، وهي هنا مشابهة لما يشهده القرن الافريقي، والذي تتغذى نزاعاته بصورة ملفتة للنظر، بإعادة استقطاب القبيلة المتداخلة بين دول شرق أفريقيا، حالة من الذهول والصدمة تعكسها اليوم لوحة الوطن العربي، وكأنما نحن نترقب سقوطاً شاملاً يُعيد تشكيل خرائط المنطقة، بل يُفتّت مكوناتها ويفجر الحرب من داخلها، وهي قضية تدفع للنظر في مآل تطور الصراعات، ومراجعتها وتحديد مسارات الإصلاح، وتقديم أولوية الاستقرار مع الكفاح لحقوق الإنسان.
والجناح المغاربي للوطن العربي اليوم، يعيش دورة هذا التحدي فمع التطور الأخير في تونس والعودة إلى ما قبل توافقات الثورة، تسعى ليبيا إلى أن تخرج من أتون الحرب التي دُفعت لها، وشارك بعض تياراتها في هذا الدفع، والمرجو أن تتوالى مسيرة العهد الجديد، رغم هشاشة الموقف بسبب الاستقطاب العنيف، الذي تمكّن من جسد أبناء ليبيا وأستَثمَر في الصراع القبلي والمناطقي.
وبالتالي فصعود التوتر، بل استمراره بين المغرب والجزائر، يزيد مساحة الحرائق السياسية في الجسم المغاربي، فضلاً عن حرائق الفتن الاجتماعية التي تعصف بالجزائر وغيرها، وأبرزها مشروع باريس لخلق بنية مواجهة قومية بين العرب والأمازيغ المسلمين، المتداخلين في لغتهم وفي انصهارهم الاجتماعي الذي وحدته الرسالة الإسلامية منذ قرون.
إن المشكلة هنا في سائر الوطن العربي، يفاقمها عدم وجود دول مركزية معتدلة الموقف نسبياً، حتى لو كان لديها مشاريع صراع لصالح استبدادها، أو تغولها ضد الحقوق، لكن على الأقل تحافظ على خطاب عربي جامع، ولا تتحول فيه الدولة إلى تيار راديكالي في عنفه السياسي وفي تعبيره، فهذه الصفة توارت خلف الأحداث وغرقت دولها في مستنقعها الكبير، وبالتالي لم تعد توجد هنا أي قوة معنوية لدولة مركزية، تباشر التوسط ووقف الصراعات بين قطرين عربيين، بل العكس حيث تستثمر هذه الدول في تأجيج الصراعات.
في حين كانت هناك نماذج في العهد الماضي، تقدم فيها بعض الشخصيات والزعماء العرب بمبادرات مصالحة، واجهت حروب الحدود والنفوذ وأوقفتها لتعيدها إلى مستويات تهدئة استراتيجية، تنقذ شعوبها من أثر هذه الصراعات السياسية البينية التي تشتعل بين دولتين، تُسعّر فيها مشاعر الشعوب التي تفقد خلال هذه الصراعات، المزيد من الحقوق ومساحة التنمية المحدودة.
إن فكرة تغذية الشعوب العربية بمواسم صراعات موسمية، وهي سياسة تنفذها دولاً عديدة في ذات الملف، أصبحت لعبتها أكثر تأثيراً في كارثتها على ذلك المواطن العربي المنهك في حقوقه ومعيشته، ولو أعدنا التأمل لوجدنا أن هذه الصراعات التي تُقحم فيها الشعوب، لا تمثل لهم أي تقدم مدني، ولا استقرار معيشي واجتماعي، بل العكس هم ينزفون سياسياً واقتصادياً ونفسياً، في حين تنهكهم هذه المواسم، التي قد يكون الهدف منها مجرد بعث رسالة للدولة الخصم.
ولذلك يجب طرح السؤال الكبير اليوم، ما هي مصالح الشعوب من الصراعات البينية، وأين ممكن أن يُصنع الفارق السياسي الذي يعبر وسط كل هذا الألغام فتتقدم قيادات عربية كبرى لأجل خلق مبادرات تنزع فتيل هذه الحرائق، وينطفئ اللهب الذي يكاد يشمل كل وطننا العربي، قبل أن تسقط كل الخيمة العربية.بقلم: مهنا الحبيل
صراعٌ حكم ميزان العلاقة بين البلدين وأوصلها إلى هذا المستوى، ومجرد مراجعة المشهد العربي العام، تشعر بأن جغرافيا الوطن العربي اليوم تكاد تتهاوى، إما في صراع داخلي تحكمه معادلة استثمار إقليمي أو دولي، تسقط فيه أرضية التوافق للمجتمعات الوطنية المتعددة، هذا السقوط ساهمت فيه الثورة المضادة، وسلوك عناصر الثورات ذاتها، من خلال أخطاء كبرى انزلقت بها تيارات هذه الدولة أو تلك إلى الهاوية السحيقة.
أو بسبب الصراعات القُطرية بين الدول العربية، وهي هنا مشابهة لما يشهده القرن الافريقي، والذي تتغذى نزاعاته بصورة ملفتة للنظر، بإعادة استقطاب القبيلة المتداخلة بين دول شرق أفريقيا، حالة من الذهول والصدمة تعكسها اليوم لوحة الوطن العربي، وكأنما نحن نترقب سقوطاً شاملاً يُعيد تشكيل خرائط المنطقة، بل يُفتّت مكوناتها ويفجر الحرب من داخلها، وهي قضية تدفع للنظر في مآل تطور الصراعات، ومراجعتها وتحديد مسارات الإصلاح، وتقديم أولوية الاستقرار مع الكفاح لحقوق الإنسان.
والجناح المغاربي للوطن العربي اليوم، يعيش دورة هذا التحدي فمع التطور الأخير في تونس والعودة إلى ما قبل توافقات الثورة، تسعى ليبيا إلى أن تخرج من أتون الحرب التي دُفعت لها، وشارك بعض تياراتها في هذا الدفع، والمرجو أن تتوالى مسيرة العهد الجديد، رغم هشاشة الموقف بسبب الاستقطاب العنيف، الذي تمكّن من جسد أبناء ليبيا وأستَثمَر في الصراع القبلي والمناطقي.
وبالتالي فصعود التوتر، بل استمراره بين المغرب والجزائر، يزيد مساحة الحرائق السياسية في الجسم المغاربي، فضلاً عن حرائق الفتن الاجتماعية التي تعصف بالجزائر وغيرها، وأبرزها مشروع باريس لخلق بنية مواجهة قومية بين العرب والأمازيغ المسلمين، المتداخلين في لغتهم وفي انصهارهم الاجتماعي الذي وحدته الرسالة الإسلامية منذ قرون.
إن المشكلة هنا في سائر الوطن العربي، يفاقمها عدم وجود دول مركزية معتدلة الموقف نسبياً، حتى لو كان لديها مشاريع صراع لصالح استبدادها، أو تغولها ضد الحقوق، لكن على الأقل تحافظ على خطاب عربي جامع، ولا تتحول فيه الدولة إلى تيار راديكالي في عنفه السياسي وفي تعبيره، فهذه الصفة توارت خلف الأحداث وغرقت دولها في مستنقعها الكبير، وبالتالي لم تعد توجد هنا أي قوة معنوية لدولة مركزية، تباشر التوسط ووقف الصراعات بين قطرين عربيين، بل العكس حيث تستثمر هذه الدول في تأجيج الصراعات.
في حين كانت هناك نماذج في العهد الماضي، تقدم فيها بعض الشخصيات والزعماء العرب بمبادرات مصالحة، واجهت حروب الحدود والنفوذ وأوقفتها لتعيدها إلى مستويات تهدئة استراتيجية، تنقذ شعوبها من أثر هذه الصراعات السياسية البينية التي تشتعل بين دولتين، تُسعّر فيها مشاعر الشعوب التي تفقد خلال هذه الصراعات، المزيد من الحقوق ومساحة التنمية المحدودة.
إن فكرة تغذية الشعوب العربية بمواسم صراعات موسمية، وهي سياسة تنفذها دولاً عديدة في ذات الملف، أصبحت لعبتها أكثر تأثيراً في كارثتها على ذلك المواطن العربي المنهك في حقوقه ومعيشته، ولو أعدنا التأمل لوجدنا أن هذه الصراعات التي تُقحم فيها الشعوب، لا تمثل لهم أي تقدم مدني، ولا استقرار معيشي واجتماعي، بل العكس هم ينزفون سياسياً واقتصادياً ونفسياً، في حين تنهكهم هذه المواسم، التي قد يكون الهدف منها مجرد بعث رسالة للدولة الخصم.
ولذلك يجب طرح السؤال الكبير اليوم، ما هي مصالح الشعوب من الصراعات البينية، وأين ممكن أن يُصنع الفارق السياسي الذي يعبر وسط كل هذا الألغام فتتقدم قيادات عربية كبرى لأجل خلق مبادرات تنزع فتيل هذه الحرائق، وينطفئ اللهب الذي يكاد يشمل كل وطننا العربي، قبل أن تسقط كل الخيمة العربية.بقلم: مهنا الحبيل