+ A
A -
سُئل عبد الله بن عباس: كيف تفقَّدَ سُليمان عليه السّلام الهدهد من بين الطيور؟
فقال: سُليمان عليه السّلام نزلَ منزلاً فلم يدرِ أين الماء، وكان الهدهدُ يدله على الماء في باطن الأرض
فقالوا لابن عبّاس: كيف ذلكَ والهدهدُ يُنصبُ له الفخ، ويُلقى عليه التراب، فلا يراه، ويُصطاد؟
فقال: إذا وقعَ القدرُ عميَ البصرُ!
سبحان من أعطى خلقه شيئاً من كل شيء واختصَّ نفسه بملكِ كل شيء!
سليمان عليه السلام ملكَ الأرض كلها، حكمَ الإنس والجن، وكلَّمَ الطير والهوام، وكانت الريح تأتمر بأمره، هذا ما أعطاه الله إياه، ولكنه أحاجه إلى الهدهد إذا أراد أن يستخرج الماء من باطن الأرض سأله عن مكانه، فسبحان من أحاجَ الخلقَ إلى الخلقَ واستغنى هو عن الجميع!
وسبحان من إذا أراد أن يقضيَ أمراً على أحدٍ من خلقه لم تنفع المخلوق لا قوته ولا عمله! فهذا الهدهد الذي يرى الماء في باطن الأرض، يأتي صبيٌّ صغير وينصبُ له الفخ، ويغطيه بالتراب، ويضع له دودةً يغريه بها، فيصطاده، يرى الماء من تحت التراب، ولا يرى الفخ، هذا لأنه إذا وقع القدرُ عميَ البصرُ، وقضاء الله واقع لا محالة!
ثم إنَّ الهدهد كان في اليمن حين رأى بلقيس وقومها يسجدون للشمس من دون الله، وسليمان عليه السلام كان في الشام، والمسافة بين الشام واليمن حوالي ألفي كيلومتر، قطعها الهدهد أربع مراتٍ في سبيل الله، المرة الأولى حين ذهبَ مستطلعاً، والمرة الثانية حين عاد بالخبر إلى سليمان عليه السلام، والمرة الثالثة حين ذهبَ برسالة سليمان عليه السلام إلى بلقيس، والمرة الرابعة حين عاد!
ثمانية آلاف كيلومترٍ قطعها الهدهد في الدعوة إلى الله، فهل سألنا أنفسنا ماذا قدمنا نحن؟!
كان لبلقيس عرش عظيم، وقصر منيف، وملك مهيب، وحضارة متطورة، شاهد الهدهد كل هذا بعينه، ولكنه عندما عادَ إلى سليمان عليه السلام لم يخبره بهذه الحضارة المادية الزائفة إلا في سياق الحديث، جوهر الحديث كان فيه ممتعضاً كيف أن هؤلاء القوم يسجدون للشمس من دون الله!
وترى الواحد منا إذا سافر للسياحة إلى دول الغرب، عاد مزدرياً قومه، ناظراً بعين التقديس إلى أصحاب الاختراعات، ناسياً غافلاً أن الإيمان يأتي قبل كل شيء، وأن موقع الإنسان الحقيقي هو في قربه أو بعده عن الله!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
02/09/2021
1133