الزمن: 1975..
المكان: بيروت الشرقية
الحالة: بدء الحرب الأهلية
ذهبت إلى أنطلياس في بيروت الشرقية لزيارة أم إبراهيم.. سيدة طرابلسية من عائلة سنية.. هي الوحيدة من المسلمين السنة التي تقيم في تلك المنطقة ذات الأكثرية المسيحية.. صاحب العمارة «أبو طنوس» رجل لبناني كان مغتربا في البرازيل وقرر العودة ليعيش في لبنان..
سألني: ماذا يجري؟! أم إبراهيم تريد أن ترحل.. وتقول حياتها أصبحت في خطر..
قلت له: سأذهب لأرى فيروز على دوار مار إلياس، فاليوم يوم عيد وقد تأتي.. قال: لم يعد هناك أعياد...!!.. قلت: بلا.. ستأتي..
كانت الحرب قد اشتعلت في بيروت وبات هناك خط فاصل بين بيروت الغربية والشرقية.. وويل لمن يعبره جهارا!
الحفل أقيم.. وجاءت امرأة ظننتها فيروز، بطولها، بسحنتها، برقتها.. ألقت التحية.. قلت لها: أنا ذلك الشقي الذي ينتظرك حتى تطلي عبر شاشات التلفاز لتغني (عودك رنان.. وعلى جسر اللوزية)، وكدت أعدد عشرات بل مئات الأغاني التي أحفظها عن ظهر قلب لفيروز، فابتسمت وقالت: أنا مش فيروز.. وعلى الفور استحضرت أبيات شعر لابن الملوح:
إذا خفنا من الرقباء عيناً
تكلمت العيون عن القلوب
وفي غمر الجوانح مستراح
لحاجات المحب إلى الحبيب
فتبسم ثغرها ليبين عن أسنان.. قلت لها: نعم لست فيروز، ففيروز لها ثغر به وميض الرماح..
فيروز رحلت عن الشرقية حينها لتقيم في الوسط بين الشرقية والغربية معلنة الحياد وتقول: أنا ابنة لبنان ولست مع الشرقية ولا مع الغربية..
فعاشت خالدة في قلوب الجميع هي وأغانيها.. التي نحفظها عن ظهر قلب. وهو ما انتهجه كاظم الساهر من العراق.. لكن كثيرا من المطربين السوريين انحازوا لطرف دون آخر فسقطوا..
أتساءل الآن.. بل سألت كثيرا من الشباب: أي من المطربين تحفظون أسماء أغانيهم.. لا أحد.. فقط يحفظون لمحمد عبده وكاظم الساهر، وأحلام ونجوى كرم، ونانسي عجرم.. أما الآخرون فتكون أغانيهم فقاعة صابون..
فالكلمة واللحن والأداء والصوت أساس لخلود الأغنيات..
السلطة تعلن عن برنامج للم الشمل، وشروط القبول أن تظهر رقم التصريح ورقم الهوية الفلسطينية وغيرها، فقلت: هذا لم شمل لمن دخل فلسطين بتصريح زيارة ولم يخرج، ويبدو أن إسرائيل تريد أن تعرف من دخل ولم يخرج، أو أن الضريبة التي سيتم تحصيلها مقابل لم الشمل هي من باب الدعم فالناس قامت بلم الشمل منذ عشرين سنة وحان موعد جني الثمار..
وسؤالي للسلطة: هل يحق لرجل لم يدخل فلسطين منذ 33 عاما أن يحصل على لم شمل ؟!..
وإن حصل سنطالب بلم شمل غزة مع الضفة لنغني مع عساف «يما لم الشمل محلاه»..
بقلم: سمير البرغوثي