+ A
A -
مرَّ سائلٌ بأم المؤمنين عائشة فأعطته رغيفاً، ثم مرَّ رجلٌ عليه ثياب وهيئة، فعرفتْ أنه عزيز قوم قد انقطعتْ به السُّبل، فأجلسته، وقدمت له الطعام، فأكل ومضى.
ولما سُئلت عن ذلك، قالت: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَنزِلوا الناس منازلهم!
هذا الكلام لا يعني احتقار بسطاء الناس، وإنما القصدُ إكرام الناس من علماء وفقهاء وأمراء بما يليقُ بمكانتهم، فما يُقدَّم للوزير ليس كما يُقدم للخفير، لا نُفاضل بين الناس من حيث الكرامة والاحترام، وإنما يُراعى مقتضى حال الشخص ومركزه.
دخلَ هارون الرشيد يوماً على الكسائي وهو لا يراه، وكان الكسائي معلماً لولديه الأمين والمأمون، فقام الكسائي لينتعل حذاءه، فنهضَ الأميران كل واحدٍ منهما إلى فردة حذاء وألبساه.
وبعد مدة جلس الرشيد في مجلس، وقال للكسائي: يا كسائي أي الناسِ أكرمُ خدماً؟
فقال له: أمير المؤمنين أعزه الله.
فقال له الرشيد بنبرة الراضي عن فعل ولديه: بل الكسائي يخدمه الأمين والمأمون!
وحدّثَ الجلوس بما كان منهما!
الشاهد في القصة أن الرشيد لم ينزعج من خدمة ولديه لأستاذهما حين ألبساه حذاءه، وإنما رآها من مكارم الأخلاق، وإنزال الأستاذ منزلته، وتقديم الاحترام له!
والشيءُ بالشيء يُذكر، أكثر التلاميذ أدباً مع معلميهم هما سيبويه النحوي الفذ، وابن القيم الفقيه العبقري!
فأما سيبويه فكان إذا عرضَ قول أستاذه الخليل بن أحمد الفراهيدي في مسألة، وأراد أن يُخالفه فيها، قال: قال الخليل كذا. وقال بعضهم كذا وكذا وهو الصواب يعني ببعضهم نفسه، يتأدب أن يبوح باسمه في معرض مخالفة شيخه وأستاذه!
وأما ابن القيم فكان يعرضُ أقوال الفقهاء، ويرجح بينها، ويسمي كل فقيه باسمه، فإذا أراد أن يعرض قول شيخه ابن تيمية قال عنه: قال الشيخ قدَّس الله روحه في الجنة!
فأنزلوا الناس منازلهم!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
07/09/2021
2163