+ A
A -
عشرة من الأصدقاء هاجروا.. منهم خمس عائلات من سوريا.. وعائلتان من فلسطين وثلاث من مصر..
حزنت.. ليس لأنهم هاجروا.. بل لأنهم لا يستطيعون العودة لبلدانهم.. سألني صديقي مستغربا.. لماذا يهاجرون؟..
قلت له طمعا بجواز اجنبي يتيح لهم عودة آمنة إلى أوطانهم..
قال للأسف.. جواز السفر الأجنبي عنده حشيمة اكثر بامتياز من جواز السفر العربي.. قلت له سجل هذا المشهد:
التقيته على باب سفارة غربية، شاب في العقد الثاني من عمره أعزب، ينتظر مقابلة القنصل، فهو ينوي الهجرة إلى كندا..
والتقيته على باب سفارة غربية.. رجل في الثلاثين متزوج، يتطلع إلى مقابلة القنصل فهو ينوي الهجرة إلى السويد.
والتقيته على باب سفارة غربية.. رجل في الاربعين متزوج ولديه ثلاثة اولاد، يتطلع إلى مقابلة مسؤول الهجرة فهو ينوي المغادرة نهائيا إلى النرويج.
وواصلت الرواية:
جاءني مثقلا بالهموم، ثم قال: انت آخر باب أطرقه، انا شاعر، ومتزوج، وبلا عمل، ومطلوب رأسي للنظام في بلدي بتهمة «الشيوعية» وإن لم أعمل سأموت وستموت عائلتي.. لقد عملت عتالا في سوق الخضار، وقصاباً في سوق اللحم، اريد وظيفة تؤهلني لكي استطيع أن اتقدم بطلب هجرة إلى بلد أجنبي.
التقيته بعد عشرين عاما، و تعارفنا، سألت: ماذا جرى؟ وأين انت.. قال: جاء قرار من رئيس بلادي بإنهاء خدمتي من العمل، وإعادتي إلى بلدي لقطع الرأس، فألقي بي على الحدود.. ولكن عدت تسللاً، ولجأت إلى سفارة دولة اجنبية، وأبلغتهم بالحكاية..
وفروا لي الحماية، وقدموا لي طلب هجرة وأسكنوني في مكان آمن، وجاءت الموافقة وأمنوا سفري وبهدوء، وهناك عالم آخر، وثقافة اخرى، أكملت دراستي، وحصلت على البكالوريوس، والماجستير والدكتوراه «مجانا» اولادي التحقوا بالمدارس والجامعات مجانا، أحظى بتأمين اجتماعي وصحي، انا وزوجتي مدى الحياة، وقال: هل عرفت لماذا كنت أريد وظيفة نظيفة، حتى أبدو محترما، انا شاعر وأجيد فن الكلمة.. وليس لي في العتالة أو ذبح الغنم..
أعمل حاليا مستشارا ثقافيا براتب عال، وفيلا مكيفة، وسيارة في دولة خليجية، وأفتخر انني عملت قصابا، وحاليا مستشارا.
وماذا عن زوجتك الأولى، قال: رفضت الهجرة.. وتزوجت بأخرى فسألت: والحب الذي كان؟
قال: لم يعد بيننا سوى مرحبا «آه يا امرأة».
لماذا يهاجر الشاب والرجل والمسن، هل خوفا من رياح الخماسين وصفيرها في الشبابيك المكسورة ام من أجل حياة افضل..
أتمنى ويتمنى كل الشباب العربي، أن تنتهي الاسباب التي تدفع الشباب للرحيل غربا وشرقا بعيدا عن هذا «الشرق الاوسط» أتمنى ان يجد الإنسان نفسه في وطنه، ولكن كيف يكون ذلك، هل هو بالديمقراطية أم بالعدالة؟
بقلم: سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
17/09/2021
2188