مهنا الحبيل باحث عربي مستقل مدير المركز الكندي للاستشارات الفكرية
كانت العودة لميدان (تايم سكوير) في قلب تورونتو النابض، لها معنىً خاص، هذه المرة مع ثلة من الشباب المهاجرين الجدد، وقد كنتُ وحيدا في أيامي الأولى، ولم أكن أتوقف في الميدان، فلستُ من جمهور صخبه، لكنه لايزال يجتذب السياح والشذرات الأولى من مشاعر القادمين الجدد للحلم الكندي، حُلم له تفسير خاص لدي وتفهم كبير.
وبين التفهم والتفسير هناك قصة مسارين لا مسار واحد، في فهم الرحلة الكندية اليوم، وفتح بابها، ولك أن تقول قلبها الكبير للاجئين الجدد، من غير ذوي القدرة على نظام الهجرة الاستثماري، رغم أنه لا يشك أحد في أن الهدف المركزي للاقتصاد الرأسمالي في كندا، هو إعادة صهرهم في طاقة العمل والتوظيف الذي تحتاجه كندا، والتي لا تزال تعاني وبحسب حديث الموجّه المسؤول في دورات الهجرة المتخصصة، استمرار رحيل غالبية المواطنين الكنديين الجدد، بعد الحصول على الجنسية، وغالباً السبب هو عدم قدرتهم على مطاردة شروط المعيشة في السكن وغيره، والبعض لأسباب ثقافية، وفي الجملة يؤكد المسؤول هذه الظاهرة خلال حواره مع اللاجئين عن وضع حلول لها.
هذه الصفحة لا تُلغي الصفحة الأخرى، وهي أن هناك تشريعات أقرتها مفاهيم الدولة المدنية الحديثة، لدعم ذوي الدخل المحدود ومعونتهم، فضلاً عن التأمين الصحي، لكن هذا التأمين ذاته يخضع لسيطرة اللوبي الطبي، ودافع هذا التكتل الرأسمالي رفض فتح الباب للأطباء القادمين من الخارج، وتهيئة العيادات التخصصية لهم، لتبقى القوة الطبية في أيديهم، وعليه تتكدس المواعيد المهمة تحت الانتظار لأشهر أو سنوات.
في الصفحة الأخرى أيضاً هناك معونات تقدم للأطفال شهريا، وقروض ميسرة أو منح للطلاب، وهناك رعاية ودعم اجتماعي، لكن ذلك كله لا يزال تحت جدل عاصف عن كفايته في مقابل ماكينة الطن الرأسمالي، يترتب عليه صعود هذا الحزب أو ذاك في مواسم كندا المختلفة، كموقف شعبي وخاصة لدى الكنديين من أصل غربي، ومن يعاني من الطبقات المحرومة المتعددة.
تشريعات استفاد منها كاتب هذا المقال في قرار لجؤه الذي اكتسبه، وعبر تقييم حقوقي صرف كان أمام منصة القضاء، فيما لا يزال الشرق ينعدم فيه هذا الاحتضان الظرفي للكثير، وهو احتضان عبر إطار قانوني محمي، لا استضافة عابرة تُسقطها المصالح السياسية، في حين تُدير كندا كما غيرها مصالحها مع الدول، ولا تبالي في الحقيقة بواقع الحقوق الذي يتعارض مع مصالحها، لكن ذلك لا يمس التحصين القضائي لمن هو في أرضها، مفصل مهم لما أنتجته الدولة المدنية الغربية المعاصرة، وهي منظومة حقوق أصلية في الإسلام، لم يبقى إلا ذكرها.
في شارع (دندس) الشهير كان التنقل بين المطاعم العربية، وبين السكن والمسجد يمر بتايم سكوير، توقفنا فيه مع الرفاق ولأول مرة أشهد الحضور المباشر للسماح بتعاطي المخدرات الذي تتوجه له الدول الغربية عموماً، وأصبح سارياً قانونياً في كندا، وفي ركن الميدان تجمع الشباب يتعاطون جرع المخدرات، ابتعدنا قليلاً عنهم واحتسينا قهوتنا.
عادت لي الذكرى للأيام الأولى في نوفمبر 2017، كانت صور المدمنين المشردين حاضرة أمامي، وكنت أشعر رغم المسهلات الاجتماعية، بأن هناك عاصفة تصحر يعيشها الناس لم تعد في الغرب وحده، ولكن بركات الأنظمة المستبدة نقلتها لعالم الشرق.
لكن في الشرق هناك بقية من حضور الروح، لا أقصد في المنظومة الحقوقية، ولكن في المشاعر الفردية، وصمود الروح في المهجر الغربي يعني صمود حياة الكثيرين، وهناك من لديه فرصة ممن أصبح دخله جيداً، وأعد عدته قبل القدوم لكندا، وكان لديه التزام قيمي روحي، ساهم في حماية أسرته، وبعضهم لم يستطع أن يمنع أبناءه من السقوط، وهناك من جاء بغطاء بسيط، وهمّ ثقيل وعائلة حُبلى بالهموم، فتحولت حياته إلى جحيم.
هنا يبرز لديك لجوء آخر لا مثيل له، لجوء يحمل روحك ويحمي وجدانك ويحشد طاقتك، لا يوجد في جلسات اليوغا، ولن تغطيه العيادة النفسية، إنه اللجوء الإيماني لبيوت الله عز وجل، ومع هذه الروح التي نركن إليها ونجد عياناً يقينها وغطائها، ندرك بأنها ضرورة للبشرية ومنها الرحلة الكندية وأعراقها المزدحمة، لكن أزمتنا في المهجر أننا أقمنا الصفوف في صلاتنا، ولم نُقم الصلاة في أخلاقنا، فلم ننقذ شريك الوطن الجديد وسقط بعضنا في الميدان الأخير.
كانت العودة لميدان (تايم سكوير) في قلب تورونتو النابض، لها معنىً خاص، هذه المرة مع ثلة من الشباب المهاجرين الجدد، وقد كنتُ وحيدا في أيامي الأولى، ولم أكن أتوقف في الميدان، فلستُ من جمهور صخبه، لكنه لايزال يجتذب السياح والشذرات الأولى من مشاعر القادمين الجدد للحلم الكندي، حُلم له تفسير خاص لدي وتفهم كبير.
وبين التفهم والتفسير هناك قصة مسارين لا مسار واحد، في فهم الرحلة الكندية اليوم، وفتح بابها، ولك أن تقول قلبها الكبير للاجئين الجدد، من غير ذوي القدرة على نظام الهجرة الاستثماري، رغم أنه لا يشك أحد في أن الهدف المركزي للاقتصاد الرأسمالي في كندا، هو إعادة صهرهم في طاقة العمل والتوظيف الذي تحتاجه كندا، والتي لا تزال تعاني وبحسب حديث الموجّه المسؤول في دورات الهجرة المتخصصة، استمرار رحيل غالبية المواطنين الكنديين الجدد، بعد الحصول على الجنسية، وغالباً السبب هو عدم قدرتهم على مطاردة شروط المعيشة في السكن وغيره، والبعض لأسباب ثقافية، وفي الجملة يؤكد المسؤول هذه الظاهرة خلال حواره مع اللاجئين عن وضع حلول لها.
هذه الصفحة لا تُلغي الصفحة الأخرى، وهي أن هناك تشريعات أقرتها مفاهيم الدولة المدنية الحديثة، لدعم ذوي الدخل المحدود ومعونتهم، فضلاً عن التأمين الصحي، لكن هذا التأمين ذاته يخضع لسيطرة اللوبي الطبي، ودافع هذا التكتل الرأسمالي رفض فتح الباب للأطباء القادمين من الخارج، وتهيئة العيادات التخصصية لهم، لتبقى القوة الطبية في أيديهم، وعليه تتكدس المواعيد المهمة تحت الانتظار لأشهر أو سنوات.
في الصفحة الأخرى أيضاً هناك معونات تقدم للأطفال شهريا، وقروض ميسرة أو منح للطلاب، وهناك رعاية ودعم اجتماعي، لكن ذلك كله لا يزال تحت جدل عاصف عن كفايته في مقابل ماكينة الطن الرأسمالي، يترتب عليه صعود هذا الحزب أو ذاك في مواسم كندا المختلفة، كموقف شعبي وخاصة لدى الكنديين من أصل غربي، ومن يعاني من الطبقات المحرومة المتعددة.
تشريعات استفاد منها كاتب هذا المقال في قرار لجؤه الذي اكتسبه، وعبر تقييم حقوقي صرف كان أمام منصة القضاء، فيما لا يزال الشرق ينعدم فيه هذا الاحتضان الظرفي للكثير، وهو احتضان عبر إطار قانوني محمي، لا استضافة عابرة تُسقطها المصالح السياسية، في حين تُدير كندا كما غيرها مصالحها مع الدول، ولا تبالي في الحقيقة بواقع الحقوق الذي يتعارض مع مصالحها، لكن ذلك لا يمس التحصين القضائي لمن هو في أرضها، مفصل مهم لما أنتجته الدولة المدنية الغربية المعاصرة، وهي منظومة حقوق أصلية في الإسلام، لم يبقى إلا ذكرها.
في شارع (دندس) الشهير كان التنقل بين المطاعم العربية، وبين السكن والمسجد يمر بتايم سكوير، توقفنا فيه مع الرفاق ولأول مرة أشهد الحضور المباشر للسماح بتعاطي المخدرات الذي تتوجه له الدول الغربية عموماً، وأصبح سارياً قانونياً في كندا، وفي ركن الميدان تجمع الشباب يتعاطون جرع المخدرات، ابتعدنا قليلاً عنهم واحتسينا قهوتنا.
عادت لي الذكرى للأيام الأولى في نوفمبر 2017، كانت صور المدمنين المشردين حاضرة أمامي، وكنت أشعر رغم المسهلات الاجتماعية، بأن هناك عاصفة تصحر يعيشها الناس لم تعد في الغرب وحده، ولكن بركات الأنظمة المستبدة نقلتها لعالم الشرق.
لكن في الشرق هناك بقية من حضور الروح، لا أقصد في المنظومة الحقوقية، ولكن في المشاعر الفردية، وصمود الروح في المهجر الغربي يعني صمود حياة الكثيرين، وهناك من لديه فرصة ممن أصبح دخله جيداً، وأعد عدته قبل القدوم لكندا، وكان لديه التزام قيمي روحي، ساهم في حماية أسرته، وبعضهم لم يستطع أن يمنع أبناءه من السقوط، وهناك من جاء بغطاء بسيط، وهمّ ثقيل وعائلة حُبلى بالهموم، فتحولت حياته إلى جحيم.
هنا يبرز لديك لجوء آخر لا مثيل له، لجوء يحمل روحك ويحمي وجدانك ويحشد طاقتك، لا يوجد في جلسات اليوغا، ولن تغطيه العيادة النفسية، إنه اللجوء الإيماني لبيوت الله عز وجل، ومع هذه الروح التي نركن إليها ونجد عياناً يقينها وغطائها، ندرك بأنها ضرورة للبشرية ومنها الرحلة الكندية وأعراقها المزدحمة، لكن أزمتنا في المهجر أننا أقمنا الصفوف في صلاتنا، ولم نُقم الصلاة في أخلاقنا، فلم ننقذ شريك الوطن الجديد وسقط بعضنا في الميدان الأخير.