كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم جالساً بين أصحابه، ولم يكونوا يعرفون أنهم على موعد مع حديثٍ يجمعُ البُشرى للمذنب الذي يأتي الذَّنب ثم تنكسِرُ نفسه، وينفطرُ قلبه إذ نكثَ العهد بينه وبين الله سبحانه، والوعيد للمذنبِ المُصرّ المكابر، إلى أن قال لأصحابه: كل أمتي مُعافى إلا المجاهرين، وإنَّ من المجانة/‏ المجنون أن يعمل الرجل بالليلِ عملاً، ثم يصبحُ وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربُّه، ويصبحُ يكشفُ ستر الله عنه!
كُلنا ذو ذنبٍ، ولا يخلو امرؤ من أن يكون له كبيرة أو صغيرة، ولكن شتَّان بين مذنبٍ ومذنب!
شتَّان بين من يجاهدُ نفسه كي لا يعصي ربّه، ويقطعُ عند الملكِ عهداً، ثم تمضي الأيام، فيوسوسُ له الشيطان معصيةً، وتزينها له نفسه، وتغلبُ عليه نزعة الطين التي خُلق منها، فيأتي تلك المعصية، ثم إذا فرغَ منها انتبه، وتذكر أنه قد حنثَ بالوعد، وأخلَّ بالعهد، فأقبل على الله استغفاراً ودعاءً، وزاحمَ تلك المعصية بالحسنات، وجدد العهد للملك الدَّيان، وحمدهُ حمداً يليقُ بكرمه، حمداً أنه قد ستره فلم يفضحه بين الناس، وحمداً لأنه لم يقبضه وهو على معصيةٍ، وأنه أمهله ليتوب، وإنَّ انكسار المذنب توبة، وندمه أجر، ودمعته غالية مقبولة عند الرحمن!
ثم هناك مذنبٌ عاقرَ ذنباً، فاطلعَ اللهُ عليه وشاءَ أن يتلطفَ به ويستره، فإذا أصبحَ، فلا هو استغفرَ ولا رجعَ، ولا ندمَ ولا ارتدعَ، وإنما زاد غياً، فلقيَ صاحباً له، فحدثه بمعصيته، وروى قصص ذنبه كما تُروى البطولات، فهذا هيِّن عند الله، لا ينظرُ إليه بعين رحمته، لأنه عبدٌ آبِقٌ، رفضَ هدية الستر من سيده، فأصبح يفضح نفسه!
إنَّ الله سبحانه ستِّير يُحبُّ السِتر، لهذا جعل التوبة بين العبِد وربه، ولم يجعل للتوبة واسطة لا من شيخ ولا من ولي، فنحن قوم إذا أذنبنا لا نذهبُ لبشرٍ مثلنا لنعترف له كما يفعل النصارى، وإنما إذا أذنبنا نسكبُ العَبرات، ونُكثر الطاعات، ونأتي القربات، وندفعُ الصَّدقات، ونقدِّم لله ما يُحب ليغفر لنا ما يكره، فلا تفضحوا أنفسكم، ولا تخلعوا عنكم رداء سترٍ قد وضعه الله عليكم مِنةً منه وكرماً!
وما دام العبدُ يأتي الذنب منكراً، ويُكثرُ من الاستغفار، فهو على خير، أما الخطر كل الخطر فعلى الذي يعتبرُ الذنوب بطولة ومفاخرة، فيحدَّثُ بما صنعَ، ويذكرُ بما شَعر، ولا يدري أنه من المجون أن يهتك المرءُ سترَ الله عليه!
بقلم: أدهم شرقاوي