تتوالى المفاجآت في المشهد الفرنسي المتفاعل بعد الأزمة التي خلفها عقد الغواصات مع أستراليا حيث ألغت هذه الأخيرة صفقة ضخمة للتزود بسرب من الغواصات الفرنسية ذات الدفع التقليدي وعوضتها بصفقة غواصات نووية مع الولايات المتحدة. لم تتردد باريس في التعبير عن صدمتها بل وعن حنقها من الطريقة التي تصرفت بها الحكومة الاسترالية وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الفرنسي بأن ما حدث «طعنة في الظهر».
لكنّ كثيرا من المراقبين يرى أن القضية تتجاوز مسألة الغواصات إلى تطورات أعمق من ذلك وأبعد مدى وهي تتعلق أساسا بإعادة توزيع الحضور العسكري عالميا. فبعد الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان أعلنت الولايات المتحدة الأميركية أنها بصدد إقامة مراجعة شاملة لحضورها العسكري عبر العالم وهو الأمر الذي فسّره كثيرون بمحاولة واشنطن تجميع قدراتها العسكرية في سبيل الاستعداد لتطويق الخطر الصيني المتصاعد في آسيا.
فرنسيا لم تقتصر الأزمة على خيبة الأمل من خسارة الصفقة الكبيرة لكنها عرّت هشاشة التحالفات الأطلسية خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ستكون له تداعيات خطيرة على مستقبل الاتحاد وعلى قدراته العسكرية. فقد سارع كبار المسؤولين في الاتحاد إلى التعبير عن ضرورة الإسراع بضبط استراتيجية جديدة للخروج من تحت العباءة الأميركية والسير نحو تحقيق القدر الممكن من الاستقلال العسكري الضامن لحرية التحرك والقدرة على المبادرة.
من جهة أخرى يرى كثيرون أن هذا الأمر لن يكون سهل التحقيق لأسباب كثيرة منها ما هو متعلّق بهشاشة الاتحاد نفسه الذي يبقى حبيس الصراعات الصامتة بين القوى الكبرى والقوى الصغيرة داخله. كما أنّ الولايات المتحدة لن تسمح لدول الاتحاد بأن تستقل بشكل قادر على منحها استقلالية مطلقة في قراراتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية. إلى جانب ذلك فإن قوى عالمية أخرى مثل الصين أو روسيا لا تزال قادرة على تحقيق قوة تأثير وجذب في بنية الاتحاد نفسها.
تعيش فرنسا اليوم على وقع أزمات متتابعة تتعلق بضعف قدراتها العسكرية والصناعية على المنافسة من جهة وترتبط من جهة أخرى بفشل الدبلوماسية الفرنسية في ضمان إنجاح الصفقات العسكرية وهو الأمر الذي سينعكس سلبا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي.
أمام هذا الواقع الجديد لن تترد فرنسا في صياغة ردودها على ما اعتبرته إهانة من قبل الحلفاء بل إنّ باريس ترى نفسها هي الأخرى معنية بإعادة صياغة تحالفات جديدة تمكّنها من المحافظة على مصالحها عالميا وتجنيب صناعتها العسكرية هزات مماثلة في المستقبل.بقلم: محمد هنيد
لكنّ كثيرا من المراقبين يرى أن القضية تتجاوز مسألة الغواصات إلى تطورات أعمق من ذلك وأبعد مدى وهي تتعلق أساسا بإعادة توزيع الحضور العسكري عالميا. فبعد الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان أعلنت الولايات المتحدة الأميركية أنها بصدد إقامة مراجعة شاملة لحضورها العسكري عبر العالم وهو الأمر الذي فسّره كثيرون بمحاولة واشنطن تجميع قدراتها العسكرية في سبيل الاستعداد لتطويق الخطر الصيني المتصاعد في آسيا.
فرنسيا لم تقتصر الأزمة على خيبة الأمل من خسارة الصفقة الكبيرة لكنها عرّت هشاشة التحالفات الأطلسية خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ستكون له تداعيات خطيرة على مستقبل الاتحاد وعلى قدراته العسكرية. فقد سارع كبار المسؤولين في الاتحاد إلى التعبير عن ضرورة الإسراع بضبط استراتيجية جديدة للخروج من تحت العباءة الأميركية والسير نحو تحقيق القدر الممكن من الاستقلال العسكري الضامن لحرية التحرك والقدرة على المبادرة.
من جهة أخرى يرى كثيرون أن هذا الأمر لن يكون سهل التحقيق لأسباب كثيرة منها ما هو متعلّق بهشاشة الاتحاد نفسه الذي يبقى حبيس الصراعات الصامتة بين القوى الكبرى والقوى الصغيرة داخله. كما أنّ الولايات المتحدة لن تسمح لدول الاتحاد بأن تستقل بشكل قادر على منحها استقلالية مطلقة في قراراتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية. إلى جانب ذلك فإن قوى عالمية أخرى مثل الصين أو روسيا لا تزال قادرة على تحقيق قوة تأثير وجذب في بنية الاتحاد نفسها.
تعيش فرنسا اليوم على وقع أزمات متتابعة تتعلق بضعف قدراتها العسكرية والصناعية على المنافسة من جهة وترتبط من جهة أخرى بفشل الدبلوماسية الفرنسية في ضمان إنجاح الصفقات العسكرية وهو الأمر الذي سينعكس سلبا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي.
أمام هذا الواقع الجديد لن تترد فرنسا في صياغة ردودها على ما اعتبرته إهانة من قبل الحلفاء بل إنّ باريس ترى نفسها هي الأخرى معنية بإعادة صياغة تحالفات جديدة تمكّنها من المحافظة على مصالحها عالميا وتجنيب صناعتها العسكرية هزات مماثلة في المستقبل.بقلم: محمد هنيد