+ A
A -
خلقَ الله سبحانه وتعالى هذه الدنيا دار امتحان وبلاء لا دار جزاءٍ وعطاء، ولم يفهم سُنة الله في الكون من يعتقد أن العافية دليل على حُبِّ الله للعبد، وأن البلاء دليل بغضه له، على العكس تماماً فالأنبياء كانوا أكثر الخلقِ ابتلاءً وهم صفوة البشر!
أبتلي نوحٌ عليه السلام بكفر زوجته وقومه، قضى تسعمائة وخمسين سنةً يدعوهم إلى الله فما آمن معه إلا قليل! وخرجَ إبراهيم عليه السلام من بابل بعدما اُبتلي بكفر أبيه وقومه وأُلقي في النار! وفي بطن الحوت مكثَ يونس عليه السلام، وبفرعون وبني إسرائيل اُبتلي موسى عليه السلام، أما عن شيخ الصابرين أيوب عليه السّلام فحدِّث ولا حرج، ثم ألقِ رحلكَ في مكة، وشاهد حبيبكَ في الشِعْبِ محاصراً، وفي الطائف مرجوماً، وعند الكعبة ساجداً وسلى الجزور فوق رأسه! وعن سُنة الله في الخلق قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يُرد الله به خيراً يُصبْ منه»!
لم يُنجِبْ إبراهيم عليه السّلام، فقررتْ سارة أن تهبه مملوكتها هاجر ليتزوجها علَّه يجد عندها ما لم يجده منها، وحملت هاجر بإسماعيل عليه السلام، وتعلَّقَ قلب الخليل بالصبيِّ الرضيع وأمه، فغارتْ سارة بدافع الفطرة البشرية، وصدر منها ما يصدر من الزوجات حين يغرنَ من الضرائر، ولما طال الأمر ووجده إبراهيم عليه السلام كثيراً، شكى أمره إلى الله، فأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم أما يُرضيكَ أن تكون سارة نصيبك من البلاء؟!
ما من مسلم إلا وقد ابتلاه الله بشيء نُغِّصُ به عيشه حتى يمتحنه أولاً، وحتى لا يركن إلى الدنيا ثانياً! من الناس من له من الأولاد ما لا يكاد يقوى على إطعامهم، ومن الناس من لديه من الأموال ما لا تأكله النيران وقد حُرمَ الإنجاب! بعض البلاء في مرضٍ يُصيب الجسم، وبعض البلاء في ضيقٍ في الرزق، وأكثر البلاء في البشر! جار السوء بلاء وامتحان، والمدير الفظُّ الغليظُ بلاءٌ وامتحان، والحاكم الظالم بلاء وامتحان! الزوجة السيئة ابتلاء وكذلك الزوج السيئ! وقد يكون الابتلاء في ولد عاق، أو قريبٍ مؤذٍ، أو حماةٍ سليطة اللسان! فمن وجد بلاءً واحداً في حياته فليحمد الله عليه، فإنَّ الله تعالى علم ضعفه فلم يشأ أن يزيد عليه البلاء، وإلا فإنَّ النَّاظر في سيرة الأنبياء يجدهم ذاقوا ألواناً من الابتلاءات، وانظُر إلى لوطٍ عليه السّلام وقد اُبتليَ بالزوجة الكافرة، وبالقوم الذين يمارسون الفاحشة التي ما سبقهم بها أحدٌ من العالمين، غربةٌ في قومه، وغربة في بيته! فاصبروا فإن الحياة دار امتحان، وإن الأوائل كانوا يتواصون في الشدائد، قائلين: إنما هي أيام تمضي والموعد الجنّة!
copy short url   نسخ
05/10/2021
2708