+ A
A -
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعلمُ أن المرءَ لا يُؤتي إلا من قِبَلِ قلبه، لهذا حرصَ على تنقية قلوب المسلمين، فقال يوماً لأصحابه: «إياكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد اللهِ إخواناً»!
وكثيراً ما كان إبن القيم يذكُر قول أبي بكر بن عيَّاش: ما سبقكم أبو بكر وعمر بكثرة صيامٍ ولا صلاة، ولكن بشيءٍ وقر في القلب!وإنَّ سوء الظنِّ بالناس من أكثر ما يُفسد القلب!
روى أهل الأخبار أنَّ صاحباً للتابعي الجليل إبراهيم بن أدهم مرَّ عليه وهو جالسٌ مع أصحابه، فنظرَ إليهم، ولم يُسلِّمْ عليهم! فقال له بعضهم: أرأيتَ يا إبراهيم كيفَ نظرَ إلينا ولم يُلقِ السَّلام علينا؟ فقال إبراهيم: لعلَّه مكروب، فلا يذهلُ عن أصحابه إلا من كان به كرب. ثم قام إبراهيم من مجلسه ولحقه، فلما أدركه قال له: ما لكَ لم تُلقِ علينا السَّلام يا صاحبي؟فقال: امرأتي تلِدُ وليسَ عندي ما يُصلحها! فعادَ إبراهيم إلى مجلسه، وقال لمن فيه: لقد ظلمناه مرَّتين، مرَّةً أسأنا به الظنْ، ومرَّةً تركناه حتى احتاج! ثم غادرهم، وذهبَ إلى بيته فلم يجد في البيتِ إلا دينارين، فاشترى بدينارٍ لحماً وعسلاً وزيتاً ودقيقاً، وأسرع إلى بيت صاحبه، فلما طرقَ الباب قالت له الزوجة وهي في ألم الوضع: من بالباب؟! فقال: إبراهيم بن أدهم، خُذي! عند الباب خرَّجَ الله عنكِ، ثم انصرف! فلما فتحت وجدت الأغراض وفوقها الدينار الآخر، فجعلتْ تقول: اللهمَّ لا تنسَ هذا اليوم لإبراهيم بن أدهم!
هذه الدنيا قاسية تطحنُ الناس كل يوم، مستأجرٌ أدركه آخر الشهر وليس عنده الإيجار، ومريض كادتْ علبة دوائه أن تنفذ وليس معه ثمن غيرها، وأب تُطالبه الجامعة بقسط ابنه ولا يجد مالاً، ومديون حان وقت سداد دينه ولم تتيسر أموره، وأمثال هؤلاء كُثر، فباللهِ عليكم إن سار هؤلاء في الطرقات هائمين على وجوههم فهل عليهم من عَتبٍ!ربما مرَّ بكَ أحدهم ولم يركَ من ثقل الهم والدين، فأحسِنْ الظنَّ بالناس! الذي لا يدعوك إلى منزله ليس بالضرورة بخيلاً ربما كان عفيفاً ولا يريدُ أن يفضح حاجته!والذي لم يزرك في مناسبة ربما منعته كرامته أن يحضر دون هدية!فترفقوا، ولا تكونوا أنتم والدنيا على الناس!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
12/10/2021
2180