+ A
A -
بأيّ الأنفاس تكتبُ وبأيّ النبض كلما ناداكَ قَمَرُكَ: «ملاكي الصغير»؟! من الوريد إلى الوريد تهتفُ عقاربُ قَلْبِكَ: تِكْ تِكْ تِكْ.. ويتدفّقُ نهرُ الحُبّ.
«ملاكي الصغير»، كلما ناداك قمرُك «ملاكي الصغير» تتسلَّقُ أنتَ داليةَ الشِّعرِ لتقطفَ من عِنَبِها ما يُسْكِرُ من أبيات، وتُواصِل الحياةَ بحماس ولَهْفَة وخِفَّة، وتعبقُ ورودُ قَلْبِك بما لم تعبقْ به من قبل.
«ملاكي الصغير»، كلما ناداك قمرُك «ملاكي الصغير» تُرَفْرِفُ أنتَ كفراشة يأخذها أخذاً الهَوَسُ بأن تَحطَّ على كتف اللُّغْز الْمُحَيِّر الذي يسمى وردة الحياة، تحلِّقُ أنتَ كنحلة تطربُ بارتشاف رحيق الحُبّ المختوم.. ويدومُ عشقُك.. يدومُ ويدوم..
لا سماء تخلو من قمر. وحبيبُك أنتَ قمرُك. أينما وُجِدَ مَن تُحِبُّ فَاعْلَمْ أن المكان ذاك سماؤُك، ولْتَكُنْ جَنَّةُ مَنْ تُحِبّ وطنَك.
الحُبّ صاحِب الكلمة الأولى والأخيرة، الحُبّ الذي يورقُ ويُزْهِرُ في قلبك فيدفئ أيَّامَك الباردة ويُرَطِّبُ حياتك البائسة ويُعَطِّرُ أوقاتك التوَّاقة إلى رائحة الحُبّ في زمن طَغَتْ فيه الكراهيةُ وسالَتْ فيه الدِّماءُ وكاد يخفت فيه صوتُ طائر الفَرَح الهارِب.
الحُبّ بلسمُ جراحك، وجُلُّ ما تُكابده في حياتك سببُه غيابُ الحُبّ. الحُبُّ بيت حالِم يُهيِّئُ لك أن تَتقاسمَ فيه لحظاتٍ دافئةً مع مَنْ يَطيبُ لك أن تُحِبَّه، ويا لحرارة عشقك لهذا القمر الْمُضيء الذي يَكونُه من تُحِبُّه!
الحُبُّ يولدُ كبيرا، يولد كبيرا تماما كالمصيبة، لكنه ينتهي شيئا فشيئا.
سَقْف مَثقوب هو الحُبّ. وَهْم يُسمى الحُبّ. كالبطارية التي لا تَقْبَلُ الشَّحْنَ مُجدَّداً، كهذه البطارية تماما هو الحُبّ. الحُبّ كعُلْبَة المصبّرات، حين ينتهي تاريخُ صلاحيتها لا جدوى من الاحتفاظ بها. الحُبّ شُعْلَةُ نارٍ تستدفئ بها، حين تنطفئ الشُّعْلَةُ ويذهبُ بريقُها لا جدوى من النَّفْخ فيها، فلن تشتعلَ مُجدَّداً. ولا فائدة مِن أن تَطلبَ الدفءَ من شيء بارد لا يقوى على توفير الدفء لنفسِه. تماما كذلك هو الحَطَبُ الباردُ لن يُجْدِيَ نَفْعاً، حَطَبُ الحُبّ، ذلك الحطَبُ البارد، لَنْ يُعيدَ إليك ليالي الدفء.
أكثر ما يستحقّ أن يَمقتَه الإنسانُ على وجه الأرض هو الحُبّ. الحُبُّ لا أمان له، يتمسَّكُ بك حين لا تحتاج إليه، بينما يَتنكَّرُ لك ويهجرُك في عزّ طَلَبِك له. والمتيَّمون المساكين، أو لِنُسَمِّهم المجانين يتمدَّدون على صفيح الحُبّ كما يتمدَّدُ العجين، يتلظَّون ويكتوون ويَكتُبون ما بِه يُلْهَمُون، يَكتبون عن لوعة الحُبّ بأنامل ثَمِلَةٍ ثمالة قلوبهم التي تُعاقِرُ كأسَه، ثملة ثمالة عيونهم الذابلة من جرّاء تأثير السهر وكأس الهَجْر، يَكتبون كما تَكتُبُ الشمعةُ قَصيدَتَها بقَلَم النار وهي تدمع احتراقا، تدمع احتراقا كما تدمع العين حزنا وكمداً، وما تلك الدموع سوى قلم نكتب به ماضينا ونُؤَرِّخُ به حاضرَنا ونُخَطِّطُ به لِغَدِنا من باب هندسة الخوف..
الحُبّ حياة صغيرة، حياة تُبدِّدُها أنتَ يا رَجُل وتطالِبُ أُنْثاك بأن تتكيَّفَ معها. طَيُّ كتابِ حياةٍ يُعادِلُ عند الرَّجُل أحيانا طَيَّ ورقةٍ لم يعدْ في حاجة إليها. تنكمش الورقةُ ويُلْقى بها جانبا، كذلك تنكمش حياتُكِ، ويُلْقى بها جانبا. لا تنسَيْ أن رَجُلَكِ هذا قد تمرَّن على الأمر.
الحُبّ، قليلُه ينفع، لكن كثيرَهُ يضرّ. الحُبّ خطيئة لا تُغْتَفَرُ. والحبيبُ الأناني لا يُكَلِّفُ نفسَهُ غير أن يعيث فسادا في أرض كرامتك، بينما تتجرَّعُ أنتَ فناجينَ القهوة السوداء وفناجينَ الزمنِ الْمُرِّ الواحد تلو الآخر. الحُبّ خطيئة لا تُغْتَفَر، وعندما يتعلَّقُ الأمر بشريك العمر يكفي الاحترام. وإذا كان قَدَرُكَ أن تتعايشَ مع الحُبّ، فيكفي أن تُحَبَّ أنتَ ولا تُحِبّ، إياك أن تُحِبّي أنتِ، فالحُبّ نقطة سوداء في ملفّ الأنثى ونقطة ضعف في حياة الأنثى، وعندما تُحِبّ الأنثى فإنها تكشفُ أوراقَها كاملة، ومن ثمّ يسهلُ على الرَّجُل أن يُمَرِّغَ كرامتَها في وحل جبروته وتكبُّره.
الحُبُّ! غيابُه مُرّ وحضورُه مُرّ. لكن الأَمَرَّ بحق هو ألا تساوي شيئا في عيني مَنْ تُحِبّ، وتتداعى جدران الاحترام، ويحطّ طائرُ البؤس على نافذتك، البؤس نفسُه الذي تقرأ منه ما تقرأ في مرآتك وفي عيون المئات ممن طَحَنَتْهم رحى الحُبّ، كأن عقاربكَ توقَّفَتْ والزمن حَوْلك يَدور، نِصْفُك الآخرُ يركل ويرحل، وأنتَ وحدك قابع في مكانك جاثم الأنفاس.
بقلم : سعاد درير
copy short url   نسخ
14/07/2016
2125