+ A
A -
أدهم شرقاوي
جاء رجل من أهل نجدٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة. فقال: هل عليَّ غيرها؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إلا أن تطوَّع. ثم أكمل كلامه محدثاً عن أركان الإسلام فقال له: وصيام رمضان. فقال: هل عليَّ غيره؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إلا أن تطوَّع. ثم حدَّثه عن الزكاة. فقال: هل عليَّ غيرها؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إلا أن تطوَّع. فقام الرجلُ ومضى وهو يقول: واللهِ لا أزيد على هذا ولا أنقص. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أفلحَ إن صدقَ!
بدايةً هذه الحادثة كانت قبل أن يُفرض الحج، لهذا لم يذكره له النبيّ صلى الله عليه وسلم في أركان الإسلام.. والحديث لا يُذكر في باب الاستهانة بالنوافل، والتقليل من شأن التطوع في الصلاة والسُّنة، وقيام الليل، والصدقة، والصيام والتطوع. وإنما في باب ليعرف المسلم ما له وما عليه، وأنه ما تقرَبَ أحدٌ إلى الله سبحانه بأحب مما افترضه عليه. بمعنى أن الذي يصلي الفجر في جماعة أفضل عند الله ممن يقوم الليل كله ثم ينام عن صلاة الفجر، وهنيئاً لمن نال الحُسنيين.
ثم ما منا من أحدٍ إلا ويقصر في العبادة، فلا تخلو صلاتنا من قلة خشوع وحديث نفس، ولا يخلو صيامنا من كلمة في غير موضعها، أو نظرة لا تحل، ومن رحمة الله تعالى بنا أنه شرع لنا النوافل ليجبر لنا تقصيرنا في الفرائض، فصلاة السُّنة ترمم نقص الخشوع، وصيام النافلة يُرمم ما خُدش من صيام الفرض، والصدقة تُطفئ غضب الرب كما يُطفئ الماء النار. على أنه يجب أن يُعلم أنه لن يدخل أحدٌ الجنة بعمله، حتى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ندخلها بإذن الله كرماً منه بعد أن يتغمدنا برحمته. وهذا الكلام ليس لترك العمل والعبادة، على العكس تماماً ما استجلبتْ رحمة الله بشيء أفضل من عبادته، والامتثال لأمره، ولكن هذا الكلام كي لا يغترَّ عابد بعبادته، وكي لا يقنط عاصٍ بسبب معصيته، وإنما نعبدُ الله امتثالاً لأمره، محسنين الظنَّ به أنه أرحم من أن يعذبَّ جباهاً سجدتْ له رهباً ورغباً، وأرحم من أن يُعذب بطوناً تركت طعامها وشرابها تقرباً له، وأرحم من أن يُعذب أيادي امتدتْ بالخير والصدقة على عباده. فإذا أحسنتَ العبادة زِدْ، وإذا قصَّرتَ استغفِر وعُدْ، وسددوا وقاربوا وأحسنوا الظن بربكم.
copy short url   نسخ
17/10/2021
1615