+ A
A -
جاء مشركو قريشٍ إلى أبي طالب يشكون إليه النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنَّا واللهِ لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك.
ثم لانوا فقالوا: قُلْ له إن أراد مالاً جعلناه أكثرنا مالاً، وإن أراد نساءً زوجناه ما شاء، وإن أراد السيادة أعطيناه مفاتيح الكعبة، ويكفَّ عنا هذا الذي جاء به!
فما كان قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم لعمه: واللهِ يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله، أو أهلكَ دونه!
وعلى هذا الدرب الذي شقَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم سار أصحابه!
غزا المسلمون الروم، فوقعتْ كتيبة من الجيش في كمين وتم أسرهم، كانوا ثمانين رجلاً قائدهم الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة السهمي!
ولما وصل الأسرى إلى هرقل ملك الروم، وعلم أن عبد الله بن حذافة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، دفعه إلى جنوده وقال لهم: جوِّعوه ثم قدموا إليه لحم خنزير! فمنعوا عنه الطعام أياماً، ثم وضعوا له لحم الخنزير، فأبى أن يأكل وقال لن أشمِّتَ كافراً بمسلم!
فقال لهم هرقل: أطعموه، ولكن امنعوا عنه الشراب أياماً، ثم ضعوا له خمراً، ففعلوا، ولكن عبد الله رفض أن يشربه وقال لا أشمتَّ كافراً بمسلم!
فطلبَ هرقل رؤيته، وقال له: ما منعكَ أن تأكل لحم الخنزير، وتشرب الخمر، وقد شارفتَ على الهلاك ودينك يبيحها للضرورة؟
فقال له: إني لا أُشمت كافراً بمسلم!
فقال له هرقل: إن شئتَ أن تنجو بنفسك وتُقبل رأسي فهذا لكَ.
فقال له: لا أنجو بنفسي ولكن تُطلق معي أسرى المسلمين.
فوافق هرقل، فقام عبد الله بن حذافة فقبَّل رأسه.
ولما عادوا إلى المدينة، وقصوا الخبر على عمر بن الخطاب، قال: حقاً على كل مسلم أن يُقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ!
الفكرة أن المؤمن عزيز نفس، لا يرضى الذلة بنفسه وبدينه، ويعيشُ رافعاً رأسه، شامخاً بإيمانه، راسخاً بيقينه، هذا الدين دين عزة لا دين مذلة، ولن يصيبنا إلا ما كتب اللهُ لنا، فارفعوا رؤوسكم!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
19/10/2021
1930