يقول محمد بن خلف: كان لإبراهيم الحربي ابن عمره إحدى عشرة سنة، حفَّظه القرآن، ولقَّنه جانباً كبيراً من الفقه، فماتَ الغلام، فجئتُ أعزيه به
فقال لي: كنتُ أشتهي موت ابني هذا!
فقلتُ له: يا أبا اسحاق أنتَ عالمُ الدنيا وفقيه المسلمين تقول هذا في صبيٍّ حافظ للقرآن عالمٍ بالفقه؟!
فقال لي: نعم، رأيتُ في منامي كأنَّ القيامة قد قامتْ، وكأنَّ صبياناً بأيديهم قِلال فيها ماء، يستقبلون الناس فيسقونهم، وكان ذلك اليوم حاراً شديداً، فقلتُ لأحدهم: اِسقني من هذا الماء
فنظرَ إلىَّ وقال: إنكَ لستَ أبي
قلتُ له: فأي شيءٍ أنتم
فقال: نحن الصبيان الذين متنا في الدنيا، وخلَّفنا آباءنا، فنستقبلهم نسقيهم الماء
فلهذا تمنيتُ موته!
إنَّ من رحمة الله بعباده أنه أحياناً يُهيئهم لما سيصيبهم، حتى إذا وقعَ قدره سبحانه عليهم، وجدوا قدرةً على الصبر والتجلد، برؤيا يراها العبدُ في منامه، بخطبة يسمعها في مسجد تُغيِّر نظرته للحياة، بمشهد يراه في الشارع فيقلب تفكيره رأساً على عقب، حدَّثني صديق عزيز عليَّ مرةً قال: دخلتُ المستشفى أشكو مرضاً في معدتي، وكنتُ أقول بيني وبين نفسي: طال البلاء يا رب فإلى متى؟
ثم ادخلوا معي في الغرفة مريضاً ليأخذ جرعة الكيماوي، أعطوه إياها على هيئة أمصال، فامتصتْ تلك الجرعات عافيته وغيرتْ لونه! ثم خرج متحاملاً على ولديه بعد ساعتين!
فقلتُ: يا رب لكَ الحمدُ، تأدبتُ وفهمتُ الرسالة، وحفظتُ الدرس أين ما أصابني مما أصابَ هذا الرجل، قليل ألم في البطن وحمية قاسية ماذا تساوي أمام جرعات الكيماوي!
لم يكن إبراهيم الحربي ساذجاً ليتمنى موت ابنه، ولكن الله أرسل له رسالةً على هيئة رؤيا ليثبته إذا ما وقع القدر!
كان إبراهيم الحربي أفقه أهل زمانه، يقول عنه اللغوي البارع ثعلب: ما فقدتُ إبراهيم الحربي في مجلس لغة ولا نحو منذ خمسين عاماً!
وقال عنه أبو بكر الخطيب: كان إبراهيم الحربي إماماً في العلم، رأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراً بالأحكام، حافظاً للحديث، مميزاً لعلمه، قيماً بالأدب، جمَّاعة للغة، صنّف غريب الحديث، وكتباً كثيرة، وأصله من مرو!
فلا تزهدوا برسائل الله، فإن الله إليه بضيقٍ في الصدر بعد الذَّنب، بالجنازة تمرُّ بكَ، بآيةٍ تسمعها فتشعرُ أنها نزلتْ فيك، بحديثٍ نبوي دون مناسبة، بمرضٍ يُشعركَ بضعفك، بغدر صديق فيريكَ أن لا أمان سواه، بهجر حبيب فيثبتُ لكَ أنه وحده يبقى إذا ما غادر الناس، ما أفقركَ إليه سبحانه، وما أغناه عنكَ، ولكنه يُعيدكَ إليه!بقلم: أدهم شرقاوي
فقال لي: كنتُ أشتهي موت ابني هذا!
فقلتُ له: يا أبا اسحاق أنتَ عالمُ الدنيا وفقيه المسلمين تقول هذا في صبيٍّ حافظ للقرآن عالمٍ بالفقه؟!
فقال لي: نعم، رأيتُ في منامي كأنَّ القيامة قد قامتْ، وكأنَّ صبياناً بأيديهم قِلال فيها ماء، يستقبلون الناس فيسقونهم، وكان ذلك اليوم حاراً شديداً، فقلتُ لأحدهم: اِسقني من هذا الماء
فنظرَ إلىَّ وقال: إنكَ لستَ أبي
قلتُ له: فأي شيءٍ أنتم
فقال: نحن الصبيان الذين متنا في الدنيا، وخلَّفنا آباءنا، فنستقبلهم نسقيهم الماء
فلهذا تمنيتُ موته!
إنَّ من رحمة الله بعباده أنه أحياناً يُهيئهم لما سيصيبهم، حتى إذا وقعَ قدره سبحانه عليهم، وجدوا قدرةً على الصبر والتجلد، برؤيا يراها العبدُ في منامه، بخطبة يسمعها في مسجد تُغيِّر نظرته للحياة، بمشهد يراه في الشارع فيقلب تفكيره رأساً على عقب، حدَّثني صديق عزيز عليَّ مرةً قال: دخلتُ المستشفى أشكو مرضاً في معدتي، وكنتُ أقول بيني وبين نفسي: طال البلاء يا رب فإلى متى؟
ثم ادخلوا معي في الغرفة مريضاً ليأخذ جرعة الكيماوي، أعطوه إياها على هيئة أمصال، فامتصتْ تلك الجرعات عافيته وغيرتْ لونه! ثم خرج متحاملاً على ولديه بعد ساعتين!
فقلتُ: يا رب لكَ الحمدُ، تأدبتُ وفهمتُ الرسالة، وحفظتُ الدرس أين ما أصابني مما أصابَ هذا الرجل، قليل ألم في البطن وحمية قاسية ماذا تساوي أمام جرعات الكيماوي!
لم يكن إبراهيم الحربي ساذجاً ليتمنى موت ابنه، ولكن الله أرسل له رسالةً على هيئة رؤيا ليثبته إذا ما وقع القدر!
كان إبراهيم الحربي أفقه أهل زمانه، يقول عنه اللغوي البارع ثعلب: ما فقدتُ إبراهيم الحربي في مجلس لغة ولا نحو منذ خمسين عاماً!
وقال عنه أبو بكر الخطيب: كان إبراهيم الحربي إماماً في العلم، رأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراً بالأحكام، حافظاً للحديث، مميزاً لعلمه، قيماً بالأدب، جمَّاعة للغة، صنّف غريب الحديث، وكتباً كثيرة، وأصله من مرو!
فلا تزهدوا برسائل الله، فإن الله إليه بضيقٍ في الصدر بعد الذَّنب، بالجنازة تمرُّ بكَ، بآيةٍ تسمعها فتشعرُ أنها نزلتْ فيك، بحديثٍ نبوي دون مناسبة، بمرضٍ يُشعركَ بضعفك، بغدر صديق فيريكَ أن لا أمان سواه، بهجر حبيب فيثبتُ لكَ أنه وحده يبقى إذا ما غادر الناس، ما أفقركَ إليه سبحانه، وما أغناه عنكَ، ولكنه يُعيدكَ إليه!بقلم: أدهم شرقاوي