+ A
A -
حدَّثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه يوماً عن أخبار الأولين فقال: بينما ثلاثة نفرٍ يتماشون أخذهم المطر، فأووا إلى غارٍ في جبل، فانحطَّتْ على فم غارهم صخرة من الجبل، فأطبقتْ عليهم!
فقال بعضهم لبعضٍ: انظروا أعمالاً صالحة عملتموها، فادعوا الله بها لعله يُفرج عنكم!
فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا عدتُ حلبتُ، فبدأتُ بوالديَّ فسقيتهما قبل بَنيَّ، وإنه نأى بي الشجرُ يوماً فلم آتِ حتى أمسيتُ فوجدتهما قد ناما، فحلبتُ كما كنتُ أحلبُ، فجئتُ باللبن، فقمتُ على رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، وهم يتضاغون من الجوع عند قدميّ، فلم يزل هذا دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر! فإن كنتَ تعلمُ أني فعلتُ هذا ابتغاء وجهك فافرجْ لنا فُرجةً نرى منها السماء!
ففرَّج الله لهم فُرجةً فرأوا منها السماء
وقال الثاني: اللهمَّ إنَّه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشدِّ ما يُحب الرجال النساء، وطلبتُ إليها نفسها فأبتْ حتى آتيتها بمئة دينار، فتعبتُ حتى جمعتها، فجئتها بها، فلما قعدتُ بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه! فقمتُ عنها! فإن كنتَ تعلمُ أني فعلتُ هذا ابتغاء وجهك فافرجْ لنا فُرجة!
ففرجَ الله لهم فُرجة!
وقال الآخرُ: اللهمَّ إني كنتُ استأجرتُ أجيراً بصاع أَرُزٍّ، فلما قضى عمله قال: أعطِني حقي.
فعرضتُ عليه حقَّه فرغِبَ عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعتُ منه بقراً، وراعيها!
فجاءني وقال: اتقِ الله ولا تظلمني، وأعطِني حقي
فقلتُ: اذهبْ إلى تلك البقر وراعيها فخذها
فقال: اتقِ الله ولا تهزأ بي
فقلتُ: إني لا أهزأ بك، خُذ البقر وراعيها.
فأخذه وذهبَ به، فإن كنتَ تعلم أني فعلتُ ذلكَ ابتغاء وجهك، فافُرجْ لنا ما بقيَ.
ففرَّج اللهم لهم ما بقيَ!
لو تأملنا في الأعمال الصالحة التي دعا بها هؤلاء الثلاثة لوجدنا أنها كلها تتعلقُ بحقوق العِباد! فأحدهم قدَّم واجب البرِّ وهو حق أبويه عليه. والثاني قدم واجب حفظ الأعراض وهو حق الناس عليه. والثالث قدَّم واجب دفع الأُجرة وهو حق العاملين عنده عليه!
لم يذكُرْ أحدهم لا صلاةً ولا صياماً ولا قياماً، هذا لنعرف أنَّ هذه العبادات جلال قدرها فإنها لا تُغني وحدها دون القيام بحقِّ الناس!
أما الآن فسؤال أريدُ أن تسأله لنفسك، قُلْ: ماذا لو كنتُ أنا رابع هؤلاء الثلاثة فبِمَ كنتُ سأدعو؟!
إن كان لكَ عملٌ عظيم في مواقف البر، وصون الأعراض، ودفع الحقوق فأنتَ على الطريق، فثابرْ وزِدْ!
وإن لم يكُنْ لكَ فراجعْ نفسك، وأعِدْ حساباتك، فإن الأعمال الصالحة منجاة إذا وقعت المصاعب، ولا بُدَّ أن يكون لكَ بابُ فرجٍ تدخل منه!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
26/10/2021
1767