كان شُعبة بن الحجاج أحفظ أهل الأرض في زمانه لحديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال عنه سفيان الثوري: شُعبة أمير المؤمنين في الحديث!
وقال عنه أحمد بن حنبل: لم يكن في زمان شُعبة مثله في الحديث، وقال عنه الشافعي: لولا شُعبة ما عُرف الحديث في العراق!
درسَ على يد شُعبة خلقٌ كثير، صار منهم بعد ذلك مشاهير من فقهاء هذه الأمة، وأشهر من درس على يديه: عبد الله بن المبارك، وسفيان الثوري، والكسائي، والقاضي أبو يوسف، والأصمعي، وهارون الرشيد!
كان كريماً سخيَّ النفس، يروي عنه صديقه أبو داود الطيالسي فيقول: كنا عند شُعبة فجاء سليمان بن المغيرة يبكي.
فقال له شُعبة: ما يُبكيكَ يا أبا سعيد؟
فقال: ماتَ حماري، وذهبتْ مني الجُمعة، وذهبتْ حوائجي
فقال له: بكم اشتريته؟
قال: بثلاثة دنانير
فقال له شُعبة: واللهِ ما عندي غير ثلاثة دنانير، فخذها، واشترِ بها حماراً، ولا تبكِ!
يا لجبر الخواطر يا شُعبة!
وعن أبي داود أيضاً قال: كنا عند شُعبة نكتب ما يُملي علينا، فجاء سائل
فقال شُعبة: تصدقوا عليه
فلم يتصدق أحد
فقال: تصدقوا فإنَّ أبا اسحاقٍ حدثني عن معقل بن عدي بن حاتم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة!
فلم يتصدق أحد
فقال: تصدقوا فإنَّ عمرو بن مُرة حدثني عن خيثمة بن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة
فلم يتصدق أحد
فقال: تصدقوا فإنَّ مُحلا الضَّبي حدثني عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة
فلم يتصدق أحد
فقال: قوموا عنِّي، فواللهِ لا أحدثكم ثلاثة أشهر!
ثم دخل بيته، فأخرجَ عجيناً وأعطاه للسائل وقال: خذه، فإنه كان طعامنا لليوم!
وعن سليمان بن حربٍ قال: لو نظرتَ إلى ثياب شُعبة لم تكن تساوي عشرة دراهم، وكان شيخاً كثيراً للصدقة!
الصدقة لا تحتاج إلى كثير مال، وإن كان الأغنياء أولى أن يقوموا بها، ولكنها تحتاج إلى سخاء نفس، وطيب قلب، ولا يمنعك أنك ليس بإمكانك أن تعطي إلا القليل، فالحرمان أقل منه!
وإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، فتصدقوا، واتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة، ولا تجمعوا على السائل الحرمان، وسوء الكلام!
بقلم: أدهم شرقاوي