+ A
A -
يقول أسلمُ مولى عمر بن الخطاب: خرجتُ مع عمر بن الخطاب إلى السوق، فلحِقَتْ عمر امرأةٌ شابة، فقالتْ: يا أمير المؤمنين، ماتَ زوجي وتركَ صِبيةً صغاراً، واللهِ ما يُنضجون كراعاً، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيتُ أن تأكلهم الضَّبعُ، وأنا بنتُ خُفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحُديبة مع النبي صلى الله عليه وسلم!
فوقفَ معها عُمر ولم يمضِ، ثم قال: مرحباً بنسبٍ قريب.
ثم انصرفَ إلى بعيرٍ كان مربوطاً في الدار عليه غِرارتان/ ما يُشبه الكيس ملأهما طعاماً، وحملَ بينهما نفقةً وثياباً، ثم اقتادَ البعير حتى وصل إليها، فناولها خِطامه، ثم قال: اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم اللهُ بخير. فأخذته ومضتْ!
فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرتَ لها!
فقال له عمر: ثكلتكَ أمكَ، واللهِ لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصناً زماناً ففتحناه، ثم أصبحنا نستفيء سهامهما فيه!
بالطبع كانت تحصل هذه المرأة على نصيبٍ من بيت المال شأنها شأن بقية المسلمين، فقد أنشأ عمر بن الخطاب ديواناً كاملاً للأُعطيات، ولكن لأن المرأة أرملة ولا معيل لها، ولم يتركْ لها زوجها لا بستاناً، ولا أغناماً، فلم تكُنْ تكفيها النفقة.
وبالقانون فليس لها أكثر من نصيبها كباقي المسلمين، وقد كان عُمر حازماً في هذا الشأن على نفسه وأولاده ومن باب أولى على الناس، ولكنه خلوقٌ ووفي وكريم، كيف لا وقد تخرَّج من مدرسة النبوة التي يقول فيها سيدنا: حُسن العهد من الإيمان!
فعندما عرف عمر نسب المرأة، عرفَ فضل أهلها، ورحَّبَ بها، وأثنى على نسبها، وأعطاها الذي أعطاها، ووعدها أن يصل إليها مثل الذي أخذته كل مرةٍ ليغنيها عن السؤال!
وعندما قال له رجل إن الذي أعطاه للمرأة كثير، غضبَ عمر، وأخبره أن أباها وأخاها كانا من المجاهدين في سبيل الله، وأنهما شاركا في حصار حصنٍ فتحه الله على المسلمين، وهو اليوم يدرُّ مالاً وفيراً على بيت المال، فكيف لا يعطيها والمسلمون يأكلون بفضل اللهِ من ثمرة جهادهما!
النبيل يُنزل الناس منازلهم، ويرحم عزيز قوم جارتْ عليه الدنيا وقلبتْ أحواله، ويحفظ ماء وجوههم، ويقيل عثراتهم، ويحفظ ماضيهم، ويراعي فضل أهاليهم وصحبتهم القديمة معه، فكونوا نبلاء!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
02/11/2021
1316