جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجتُ امرأةً من الأنصار.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل نظرتَ إليها، فإنَّ في عيون الأنصار شيئاً؟
فقال: قد نظرتُ إليها.
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: على كم تزوجتها؟
قال: على أربع أواقٍ
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: على أربع أواقٍ؟! كأنما تنحتون الفضَّة من عرض هذا الجبل! ما عندنا ما نُعطيك، ولكن عسى أن نبعثكَ في بعثٍ تُصيبُ منه.
فبعثَ بعد أيامٍ بعثاً إلى بني عبسٍ وأرسلَ ذلكَ الرجل معهم عله يغنهم شيئاً، ويدفع المهر.
وكواليس الحديث على الشكل التالي:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره أنه تزوَّج امرأةً من الأنصار، أي أنه قد خطبها ولم يدخل عليها بعد، فسألهُ إن كان نظرَ إليها، لأن في عيون الأنصار شيئاً، بمعنى في عيونهن ما قد يستقبحه الخاطب من صغر العين، وهذا هدي نبوي شريف أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة، فيرضى صفاتها الخَلقِيَّة، فلا يخطبها دون أن يراها حتى إذا حُملتْ إليه لم تعجبه، فتصبح الحياة بعدها لا تُطاق، فيظلمها ويظلم نفسه!
ثم سأل عن المهر، فأخبره أنه دفعَ لها أربع أواقٍ فضة، أي ما يُعادل أربعين ديناراً للأوقية، فاستكثر النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا، وقال: أريع أواقٍ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل!
بمعنى من أين لكم هذا المال، وهل هذا الجبل هو من فضة، حتى إذا إحتاج أحدكم قام إليه بمعوله فقطع منه ما يريدُ!
والرجل كما ترون دفع مهراً ليس عنده وجاء يطلب عون النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فبعثه في غزو علّه يصيب من الغنائم ما يقضي ما وعد به من مهر!
الأصل أن الزواج للعفة، عفة الشاب والفتاة معاً، وليس عقداً من عقود التجارة، والبنات لسنَ سلعاً للبيع! على أن المهر هو شرع ربنا ولكن يجب أن تكون الأمور بالعقل، فالخاطب الفقير ليس كالغنيّ، فلا يُحمّل الأهلُ الخاطبَ ما لا يُطيق، وهو أيضاً عليه أن لا يوافق على ما لا يُطيق لأنه متى وافق فوجبَ عليه أن يدفع!
إذا اشترط الأهل مهراً عالياً فهذا ليس حراماً، وقد أراد عمر بن الخطاب أن يُحدد المهور عندما رأى مغالاة الناس فيه، فقامتْ إليه الشفاء بنت عبد الله وهو على المنبر وقالتْ له: لا يحق لك يا أمير المؤمنين، فإن الله قال: «وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا»
فبأي حق تريد أن تحدده؟
فقال: أصابتْ امرأة وأخطأ عمر!
على أن المهور لا يُنظر إليها بعين الحلال والحرام فقط، وإنما بعين العقل، وفهم الحياة، وقدرات الناس، فمتى تسابق الناس في غلاء المهور، عزف الشباب عن الزواج، وتعنَّستْ الفتيات، وهذا فيه دمار للمجتمع، فاتقوا الله في أولادكم وبناتكم!
بقلم: أدهم شرقاوي