مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل- مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةفي حين تابعتُ التدخل المباشر الذي رُعي به السيد عبدالله حمدوك من الاتحاد الأوروبي ومن الولايات المتحدة الأميركية ثم وصولاً لقرار مجلس الأمن، فإن هذا يظل إيجابياً للسودان حتى ولو كان بناءً على اعتبار حمدوك هو الراعي المحلي للبرنامج الاجتماعي الغربي، وهو برنامج لا يعنيه مطلقاً السيادة الدستورية والمشاركة الشعبية والقوة المستقلة للدولة المدنية في السودان، وإنما له مصالحه الخاصة التي يترقبها.
ومن ضمنها وجود ثقافة سلوكية وفكرية، تتطابق مع منظور الغرب الثنائي لعالم الجنوب، وهو رواج أفكاره عن الحياة والمدنية، كنموذج ملهم للآخرين، ليس من خلال صناعة دولتهم بقوة استقلال مقابلة، ولكن لكي تبقى المعايير الغربية في الإنسان والروحانيات والماديات، مناطة بالمعيار الغربي، الذي يحتاج أن يرص صفوفاً مستمرة لهذا السوق، ليس كآراء فكرية بين حضارتين، فهو لا يعترف أصلاً بالحضارة الإسلامية.
ولكن لهذا السوق الثقافي المستمر في الاشتباك مع عالم الشرق المسلم، وقد خدمته وسائط الاستبداد، ونزعات التطرف والجهل والتخلف، والعجز عن فهم مشروع الدولة المدنية لصالح الشرق المسلم، فهو بذاته وسيلة تقييد لحرية الميلاد الجديد للدولة المدنية في عالم الجنوب، حتى لا تنطلق نظريتها المستفيدة من التجربة الغربية الحديثة، والمستقلة في تأسيس مرجعيتها الأخلاقية في الروح والقيم، وفي عدالة التشريع العمراني.
وهو نموذجٌ لا علاقة له بفساد منظومة ثورة الإنقاذ، وإن كانت هناك محاولات جادة جرت من المخلصين منهم، أممها حيتان الفساد، وهو ما أكده رجل التجربة الأول، الشيخ حسن الترابي في ذكرياته المهمة بما فيها حقيقة أخطائه الكبرى.
ولكن ومع الأسف الشديد لم تحرص حكومة حمدوك ولا تياراتها، على العمل كمؤسسة سياسية انتقالية تحتوي الأمل الشعبي الشامل، فتتواصل وتعتني بمنبر توضيح لكل أهل السودان، وتطمئن الناس بأن معركة الدولة المدنية التي يكافح السودانيون من أجلها وأعيق كفاحها في دورات عديدة، هي مظلة وطنية تنظم مساحات ما بين الدولة والمواطن، وتعطي كل ذي حق حقه.
نعم سيُقال إن الحكومة كانت تحت ضغط شركائها العسكر، ومسؤوليات إنقاذ الوطن معيشيا، لكن ذلك لم يكن ليعطل مساحات الحوار، وخطورة استمرار بعث رسائل التوعد بالتصفية والإقصاء لكل نفس إسلامي، هذا ليس حلاً ولا مقدمة لمشروع وطني مدني شامل.
إن تمازج الفكرة التيارية بين المؤسسة التنفيذية في الحكم، وبين طلائع الحركة الراديكالية الشيوعية، يُعطي مؤشراً بأن الدولة هنا ليست دولة مدنية، ولكنها مؤسسة ماركسية تقاطعت مع الرؤية الغربية الحديثة لفرض الجندر الإلحادي على المجتمع، فاتفقت الفكرتين في إطار سياسي واحد، ومع ذلك لم يتحقق في هذه التحالفات انسجام علماني-علماني بل ظل الصراع مشتعلاً، أكان ذاتياً أو استثماراً من العسكر.
وهنا نعود للحالة الإسلامية في السودان، وأعرض رؤيتي عن الطرفين كوجهة نظر شخصية لا تنظيراً سياسياً، إن الراديكالية الشيوعية التي يُخوّف بها الإسلاميون اليوم، هي ذاتها الصورة الأخرى للراديكالية الحزبية المشتركة، التي سعت إلى فرضها الحركة الإسلامية في نموذجها القديم، لكنها بعد انقلاب علي عثمان طه على الشيخ حسن الترابي، بدأت مراجعاتها النقدية.
وهنا نقطة توقف عميقة، حيث لا يُرصد في ميدان الفكر والثقافة الإسلامي حتى في المؤتمر الشعبي من يلتقط تلك المراجعات ويبنى عليها، تدشين العصر التنويري الجديد، فهذا العصر وأدواته مهما حاولت الراديكالية الأخرى استخدام نفوذها، فإن تثبيت المرجعية السيادية للشعب، في إطار الدولة المدنية سيسمح لهم بإعادة طرح تصورهم عن بالمجتمع والدولة وعلاقتها بالدين. لكن هذه الأطروحات رغم عمق المثقف السوداني، حتى في الحالة الإسلامية غائبة اليوم تحت الصراع مع الشيوعيين، بل مع التيارات المدنية كلها، بحسب ما يطفح على السطح.
وهنا تساؤل مهم عن مبرر تأجيل الانتخابات في توافق الفريقين السابق العسكري والمدني، وفي إعلان البرهان، لماذا 2023؟
نعم أمام السودان واقع صعب، لكن أزمته في الخلاف على حجم التمثيل المستحق، والذي لا يُمكن أن يكتسب أي شرعية إلا من خلال صوت الشعب، فهي مقدمة مهمة لتأمين مرجعية السلطة وسيادتها، وهي أيضا تنظم الخلاف بل الصراع السياسي، وفي كل الأحوال يحتاج ذلك إلى تحييد الجيش عن السياسة وليس الحرب عليه، وهو ما نأمل أن يخلص له المشهد الحالي.
باحث عربي مستقل- مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةفي حين تابعتُ التدخل المباشر الذي رُعي به السيد عبدالله حمدوك من الاتحاد الأوروبي ومن الولايات المتحدة الأميركية ثم وصولاً لقرار مجلس الأمن، فإن هذا يظل إيجابياً للسودان حتى ولو كان بناءً على اعتبار حمدوك هو الراعي المحلي للبرنامج الاجتماعي الغربي، وهو برنامج لا يعنيه مطلقاً السيادة الدستورية والمشاركة الشعبية والقوة المستقلة للدولة المدنية في السودان، وإنما له مصالحه الخاصة التي يترقبها.
ومن ضمنها وجود ثقافة سلوكية وفكرية، تتطابق مع منظور الغرب الثنائي لعالم الجنوب، وهو رواج أفكاره عن الحياة والمدنية، كنموذج ملهم للآخرين، ليس من خلال صناعة دولتهم بقوة استقلال مقابلة، ولكن لكي تبقى المعايير الغربية في الإنسان والروحانيات والماديات، مناطة بالمعيار الغربي، الذي يحتاج أن يرص صفوفاً مستمرة لهذا السوق، ليس كآراء فكرية بين حضارتين، فهو لا يعترف أصلاً بالحضارة الإسلامية.
ولكن لهذا السوق الثقافي المستمر في الاشتباك مع عالم الشرق المسلم، وقد خدمته وسائط الاستبداد، ونزعات التطرف والجهل والتخلف، والعجز عن فهم مشروع الدولة المدنية لصالح الشرق المسلم، فهو بذاته وسيلة تقييد لحرية الميلاد الجديد للدولة المدنية في عالم الجنوب، حتى لا تنطلق نظريتها المستفيدة من التجربة الغربية الحديثة، والمستقلة في تأسيس مرجعيتها الأخلاقية في الروح والقيم، وفي عدالة التشريع العمراني.
وهو نموذجٌ لا علاقة له بفساد منظومة ثورة الإنقاذ، وإن كانت هناك محاولات جادة جرت من المخلصين منهم، أممها حيتان الفساد، وهو ما أكده رجل التجربة الأول، الشيخ حسن الترابي في ذكرياته المهمة بما فيها حقيقة أخطائه الكبرى.
ولكن ومع الأسف الشديد لم تحرص حكومة حمدوك ولا تياراتها، على العمل كمؤسسة سياسية انتقالية تحتوي الأمل الشعبي الشامل، فتتواصل وتعتني بمنبر توضيح لكل أهل السودان، وتطمئن الناس بأن معركة الدولة المدنية التي يكافح السودانيون من أجلها وأعيق كفاحها في دورات عديدة، هي مظلة وطنية تنظم مساحات ما بين الدولة والمواطن، وتعطي كل ذي حق حقه.
نعم سيُقال إن الحكومة كانت تحت ضغط شركائها العسكر، ومسؤوليات إنقاذ الوطن معيشيا، لكن ذلك لم يكن ليعطل مساحات الحوار، وخطورة استمرار بعث رسائل التوعد بالتصفية والإقصاء لكل نفس إسلامي، هذا ليس حلاً ولا مقدمة لمشروع وطني مدني شامل.
إن تمازج الفكرة التيارية بين المؤسسة التنفيذية في الحكم، وبين طلائع الحركة الراديكالية الشيوعية، يُعطي مؤشراً بأن الدولة هنا ليست دولة مدنية، ولكنها مؤسسة ماركسية تقاطعت مع الرؤية الغربية الحديثة لفرض الجندر الإلحادي على المجتمع، فاتفقت الفكرتين في إطار سياسي واحد، ومع ذلك لم يتحقق في هذه التحالفات انسجام علماني-علماني بل ظل الصراع مشتعلاً، أكان ذاتياً أو استثماراً من العسكر.
وهنا نعود للحالة الإسلامية في السودان، وأعرض رؤيتي عن الطرفين كوجهة نظر شخصية لا تنظيراً سياسياً، إن الراديكالية الشيوعية التي يُخوّف بها الإسلاميون اليوم، هي ذاتها الصورة الأخرى للراديكالية الحزبية المشتركة، التي سعت إلى فرضها الحركة الإسلامية في نموذجها القديم، لكنها بعد انقلاب علي عثمان طه على الشيخ حسن الترابي، بدأت مراجعاتها النقدية.
وهنا نقطة توقف عميقة، حيث لا يُرصد في ميدان الفكر والثقافة الإسلامي حتى في المؤتمر الشعبي من يلتقط تلك المراجعات ويبنى عليها، تدشين العصر التنويري الجديد، فهذا العصر وأدواته مهما حاولت الراديكالية الأخرى استخدام نفوذها، فإن تثبيت المرجعية السيادية للشعب، في إطار الدولة المدنية سيسمح لهم بإعادة طرح تصورهم عن بالمجتمع والدولة وعلاقتها بالدين. لكن هذه الأطروحات رغم عمق المثقف السوداني، حتى في الحالة الإسلامية غائبة اليوم تحت الصراع مع الشيوعيين، بل مع التيارات المدنية كلها، بحسب ما يطفح على السطح.
وهنا تساؤل مهم عن مبرر تأجيل الانتخابات في توافق الفريقين السابق العسكري والمدني، وفي إعلان البرهان، لماذا 2023؟
نعم أمام السودان واقع صعب، لكن أزمته في الخلاف على حجم التمثيل المستحق، والذي لا يُمكن أن يكتسب أي شرعية إلا من خلال صوت الشعب، فهي مقدمة مهمة لتأمين مرجعية السلطة وسيادتها، وهي أيضا تنظم الخلاف بل الصراع السياسي، وفي كل الأحوال يحتاج ذلك إلى تحييد الجيش عن السياسة وليس الحرب عليه، وهو ما نأمل أن يخلص له المشهد الحالي.