مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل - مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةقبل مدة كنتُ في حوارات متعددة، وحديث آخر لي مع محللين سياسيين، ويبدو أنه خلاصة بارزة في رؤية باكستان الدولة الأقرب لطالبان، كل هذه الاستشرافات تؤكد أن النموذج الذي تعتمده الحركة اليوم أقرب ما يكون إلى نموذج ولي الفقيه الإيراني، وهو قاعدة فقه اجتهادية أسس لها الزعيم الراحل للثورة الإيرانية روح الله خميني، رغم أن غالبية المراجع الشيعية الكبرى في حينه وحتى اليوم لم تتفق مع هذا المذهب السياسي الذي خرج من إشكالية إقامة الدولة دون حضور الإمام الشرعي في المنظور المجمل للفقه الجعفري.
وإن كانت فكرة التشيّع لآل البيت لم تمنع في الأصل إقامة دولاً سياسية، بغض النظر عن الجدل الفقهي، بل إن دولة بني العباس ذاتها قامت على عقيدة سياسية تعتمد التشيع لآل البيت رغم أنها دولة سُنية، كدلالة على حجم الخلط في التاريخ الإسلامي وفكرة التلاعب بالمظلومية أو المرجعية الدينية، سواء كانت في الجانب السني أو الشيعي.
فقد عاش حاضر العالم الإسلامي صراعات كبرى سياسية ودموية خُلقت لأجلها مذاهب دينية سياسية، لا علاقة له بحق الشورى وأمانة الاستخلاف الذي برز في تقريرات عمر ابن عبد العزيز وخطبة يزيد بن معاوية، وهما من خلفاء بني أمية، التي نُقض في صدر عهدها حق الأمة في اختيار خليفتها.
مفارقة كبرى في الحياة السياسية للمسلمين تؤكد دوماً على أهمية تحرير الحقيقة في الموقف الديني السياسي، ومزاعم حصره في تلك العهود التي بدأ فيها الانحطاط السياسي، بغض النظر عن المساحة الإيجابية التي حققتها تلك الدول والممالك، في عهود الدول الكبرى، أو من خلال دويلات أو سلطنات انعكس فيها الأفق الحضاري الإسلامي، الذي وُرث من معهد النبوة وبعثها الأخلاقي ومنارها التنويري للبشرية، وبرز في الحياة الثقافية والاجتماعية والعلمية والطبية للمسلمين.
وكرؤية مذهبية سواء في إطار المذهب الحنفي، مذهب الأفغان السنة، أو في إطار مدرسة أهل السنة الكبرى، فإن قاعدة التأسيس لهذه النظرية هو عملية تبرير متعسّف وليس استشرافاً فقهياً صحيحاً، ولكننا اليوم نعرضُ له كمساحة تقدير لإمكانية صمودها كرؤية تتوجه طالبان إليها بوضوح، بهدف تثبيت الدولة وبسط القومية الخاصة وفقه الحركة، في إطار وطني ملزم، وليس بالضرورة ضمن تراضٍ دستوري شامل.
وهناك مساحة غموض عن مركز صناعة الرأي كعقل استراتيجي لطالبان، وخاصة بعد أن لاحظت أن كوادر الحركة منخرطة في مسألة الترويج الواسع لمفهوم الحركة البطلة المنقذة، ودولة العدالة الفاضلة عبر (أمير المؤمنين)، ولا يوجد في المقابل مثقفين وطنيين ولو بخلفيتهم الشرعية، يحاولون تقديم رؤية وطنية جامعة تتجاوز الانقسام القومي الخطير، وتتعامل مع الماضي بأفق الفقه الإنساني الكبير لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة.
وبالمقابل، فإن كتلة الانقسام القومي الآخر حاضرة بقوة في المعارضة، وفي توظيف الغرب لهذا الانقسام، ويعززها مشهد مقلق مهم، وهو أن أفغانستان فيها أيضاً انقسام شرعي عُلمائي من أهل السُنة والمذهب الحنفي ذاته، فهناك تصريحات مفاصلة ومواقف مواجهة بينها وبين علماء آخرين، ولم تقدم طالبان تبريرات مقنعة لتجاوزات كوادرها، بما فيها القتل المسلح المباشر، لبعض العناصر التي كانت تعتقد طالبان أنها مخالفة لها، ويستخدم بعض كوادرها دوماً عبارات تخوين أو تكفير.
هذا الفراغ الخطير الذي لا تحرص طالبان حسب المشهد، على إصلاحه وتدشين حوارات وطنية واسعة، تحشد الناس حول الأمل في الوطن الجديد، يُفاقمه بأن طالبان تعتقد بأن التبشير بصور الأطفال والمرأة بعد أن يُبسط عليهم النقاب، يكفي لتقديم صور للغرب والشرق بتسامحهم، وهذه لن تجدي نفعاً في الحقيقة.
فما تحتاجه طالبان هو تنظيم إطار دستوري جامع، ومرن مع طبيعة الأقاليم، يقوم على تعددية الاجتهاد الإسلامي المستساغ شرعاً، وطالبان اليوم بعيدة حتى عن الأطر الدينية المحافظة، لكنها محافظة حيوية في مساحة ما تحتاجه شرائح شعبها، هذا فضلاً عن أن هناك جزءًا كبيراً من الشعب، يرى أنه محافظ على إسلامه وعلى قوميته الأفغانية، مع قناعته بأفق إسلامي منفتح ومنضبط أخلاقياً، يعتمد على فقه الشريعة الإسلامي، وليس رؤية طالبان الخاصة للدين أو للمذهب الحنفي.
وللحديث بقية
باحث عربي مستقل - مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةقبل مدة كنتُ في حوارات متعددة، وحديث آخر لي مع محللين سياسيين، ويبدو أنه خلاصة بارزة في رؤية باكستان الدولة الأقرب لطالبان، كل هذه الاستشرافات تؤكد أن النموذج الذي تعتمده الحركة اليوم أقرب ما يكون إلى نموذج ولي الفقيه الإيراني، وهو قاعدة فقه اجتهادية أسس لها الزعيم الراحل للثورة الإيرانية روح الله خميني، رغم أن غالبية المراجع الشيعية الكبرى في حينه وحتى اليوم لم تتفق مع هذا المذهب السياسي الذي خرج من إشكالية إقامة الدولة دون حضور الإمام الشرعي في المنظور المجمل للفقه الجعفري.
وإن كانت فكرة التشيّع لآل البيت لم تمنع في الأصل إقامة دولاً سياسية، بغض النظر عن الجدل الفقهي، بل إن دولة بني العباس ذاتها قامت على عقيدة سياسية تعتمد التشيع لآل البيت رغم أنها دولة سُنية، كدلالة على حجم الخلط في التاريخ الإسلامي وفكرة التلاعب بالمظلومية أو المرجعية الدينية، سواء كانت في الجانب السني أو الشيعي.
فقد عاش حاضر العالم الإسلامي صراعات كبرى سياسية ودموية خُلقت لأجلها مذاهب دينية سياسية، لا علاقة له بحق الشورى وأمانة الاستخلاف الذي برز في تقريرات عمر ابن عبد العزيز وخطبة يزيد بن معاوية، وهما من خلفاء بني أمية، التي نُقض في صدر عهدها حق الأمة في اختيار خليفتها.
مفارقة كبرى في الحياة السياسية للمسلمين تؤكد دوماً على أهمية تحرير الحقيقة في الموقف الديني السياسي، ومزاعم حصره في تلك العهود التي بدأ فيها الانحطاط السياسي، بغض النظر عن المساحة الإيجابية التي حققتها تلك الدول والممالك، في عهود الدول الكبرى، أو من خلال دويلات أو سلطنات انعكس فيها الأفق الحضاري الإسلامي، الذي وُرث من معهد النبوة وبعثها الأخلاقي ومنارها التنويري للبشرية، وبرز في الحياة الثقافية والاجتماعية والعلمية والطبية للمسلمين.
وكرؤية مذهبية سواء في إطار المذهب الحنفي، مذهب الأفغان السنة، أو في إطار مدرسة أهل السنة الكبرى، فإن قاعدة التأسيس لهذه النظرية هو عملية تبرير متعسّف وليس استشرافاً فقهياً صحيحاً، ولكننا اليوم نعرضُ له كمساحة تقدير لإمكانية صمودها كرؤية تتوجه طالبان إليها بوضوح، بهدف تثبيت الدولة وبسط القومية الخاصة وفقه الحركة، في إطار وطني ملزم، وليس بالضرورة ضمن تراضٍ دستوري شامل.
وهناك مساحة غموض عن مركز صناعة الرأي كعقل استراتيجي لطالبان، وخاصة بعد أن لاحظت أن كوادر الحركة منخرطة في مسألة الترويج الواسع لمفهوم الحركة البطلة المنقذة، ودولة العدالة الفاضلة عبر (أمير المؤمنين)، ولا يوجد في المقابل مثقفين وطنيين ولو بخلفيتهم الشرعية، يحاولون تقديم رؤية وطنية جامعة تتجاوز الانقسام القومي الخطير، وتتعامل مع الماضي بأفق الفقه الإنساني الكبير لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة.
وبالمقابل، فإن كتلة الانقسام القومي الآخر حاضرة بقوة في المعارضة، وفي توظيف الغرب لهذا الانقسام، ويعززها مشهد مقلق مهم، وهو أن أفغانستان فيها أيضاً انقسام شرعي عُلمائي من أهل السُنة والمذهب الحنفي ذاته، فهناك تصريحات مفاصلة ومواقف مواجهة بينها وبين علماء آخرين، ولم تقدم طالبان تبريرات مقنعة لتجاوزات كوادرها، بما فيها القتل المسلح المباشر، لبعض العناصر التي كانت تعتقد طالبان أنها مخالفة لها، ويستخدم بعض كوادرها دوماً عبارات تخوين أو تكفير.
هذا الفراغ الخطير الذي لا تحرص طالبان حسب المشهد، على إصلاحه وتدشين حوارات وطنية واسعة، تحشد الناس حول الأمل في الوطن الجديد، يُفاقمه بأن طالبان تعتقد بأن التبشير بصور الأطفال والمرأة بعد أن يُبسط عليهم النقاب، يكفي لتقديم صور للغرب والشرق بتسامحهم، وهذه لن تجدي نفعاً في الحقيقة.
فما تحتاجه طالبان هو تنظيم إطار دستوري جامع، ومرن مع طبيعة الأقاليم، يقوم على تعددية الاجتهاد الإسلامي المستساغ شرعاً، وطالبان اليوم بعيدة حتى عن الأطر الدينية المحافظة، لكنها محافظة حيوية في مساحة ما تحتاجه شرائح شعبها، هذا فضلاً عن أن هناك جزءًا كبيراً من الشعب، يرى أنه محافظ على إسلامه وعلى قوميته الأفغانية، مع قناعته بأفق إسلامي منفتح ومنضبط أخلاقياً، يعتمد على فقه الشريعة الإسلامي، وليس رؤية طالبان الخاصة للدين أو للمذهب الحنفي.
وللحديث بقية