عن النعمان بن بشير قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور متشابهات، لا يعلمهنَّ كثير من الناس، فمن اتقى المتشابهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحِمى يوشك أن يقع فيه، ألا إنَّ لكل ملكِ حِمى وحمى الله محارمه،ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحتْ صلح الجسد كله، وإذا فسدتْ فسدَ الجسدُ كله ألا وهي القلب!
هذه المسافة بين الحلال والحرام تحتاج لتركها إلى الورع، وعن الورع قالوا: هو ترك الحلال خوف الوقوع في الحرام!
وعن سعد بن أبي وقاص، وحذيفة بن اليمان، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: فضل العِلم أحبُّ إلىَّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع!
وهذه صور مشرقة من صور ورع الأوائل:
جيء لعمر بن الخطاب بمسكٍ وعنبر من البحرين، فقال: واللهِ لوددتُ أني أجدُ امرأةً تزنُ لي هذا الطيب حتى أُفرقه بين المسلمين.
فقالتْ له امرأته عاتكة: أنا جيدة الوزن، فهلمَّ أزِنُ لكَ
فقال لها: لا
قالت: ولِمَ؟
فقال: أخشى إن قسمته أن يبقى شيء على إصبعكِ، فتمسحين به عنقكِ، فأصيبُ فضلاً عن المسلمين!
واشتهى عمر بن عبد العزيز عسلاً، فأرسلتْ زوجته فاطمة بنت عبد الملك رجلاً على دابةٍ من دواب البريد إلى بعلبك بدينار، فاشترى لهم عسلاً.
فقالتْ فاطمة: إنكَ اشتهيت العسل، فهل لكَ فيه؟
فقال: نعم
فلما شربَ قال: من أين جئتم به
قالت: وجهنا رجلاً على دابةٍ من دواب البريد إلى بعلبك فاشتراه لنا
فقال لها: ما ينبغي لنا أن نستعمل دواب بريد المسلمين في خاصته حاجتنا!
ونادى على الرجل فقال له: انطلِقْ بالعسل إلى السوق فبعه، وأعِدْ إلينا مالنا، وما تبقى فاشترِ به علفاً لدواب البريد نظير استخدامنا لها!
خليفة المسلمين يرى أنه ليس له حقًّ أن يستخدم دابةً للمال العام في حاجة خاصة له! بهذا وصل الأوائل!
وعن العباس بن سهم أن امرأةً من الصالحات أتاها خبر موت زوجها، فرفعتْ يديها عن العجين، وقالتْ: هذا طعام قد صار لنا فيه شريك!
كل ما يتركه الميت وراءه هو ميراث، وقد بلغ الورع بهذه المرأة أن ترفع يدها عن العجين حتى لا تأكل منه قبل أن تُقسم تركة زوجها!
بقلم: أدهم شرقاوي