+ A
A -
خرجَ المعتمدُ بن عبَّاد، ملك إشبيلية، برفقة زوجته اعتماد الرميكيَّة، وكان يحبها حُباً جمَّاً، وكانتْ هي تبادله من الحُب مثله، وأثناء مرورِهما بأحد الشوارع، رأت اعتماد أولاداً يلعبون بالطين، فاشتهتْ أن تنزلَ وتلعبَ معهم، فاستأذنت المُعتمدَ أن يسمح لها بهذا، ولكنه رفضَ وأخبرها أنه لا يليق بالملكة أن تلعب بالطين في الطرقات، ثم أمرَ الموكب أن يمشي في طريقه.
ولأن المُعتمد رأى الحزنَ في عيني زوجته قرَّرَ أن يُعوِّضها، فلما عادَ إلى قصره، بنى بركةً كأنها حُفرة، ثم وضع فيها الحناء وعجنه بالمسك حتى صار كالطين، ثم نادى عليها، فلما حضرتْ أشار إلى الحُفرة وقال لها: الآن اِلعبي!
ثم بعد أيام خاصمته كما يتخاصم الأزواج، فقالتْ له: واللهِ ما رأيتُ منكَ خيراً قط!
فقال لها: ولا يوم الطين؟! فخَجِلتْ من قولها واعتذرتْ منه!
قبل هذا بمئات السنوات مرَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على جماعة من النساء وقال لهنَّ: يا معشرَ النساء تصدَّقنَ، فإني أُريتُكُنَّ أكثر أهل النار!
قُلنَ: وبمَ ذلك يا رسول الله؟
فقالَ: تُكثِرنَ اللعنَ، وتكفُرنَ العشير/الزوج، لو أحسنَ إلى إحداكُنَّ الدَّهر، ثم رأتْ منه شيئاً قالتْ: ما رأيتُ منك خيراً قط!
لا تستغربوا إذ أقول إنَّ هذا الحديث في صَفِّ النساء وليس ضِدَّهُنَّ، والسببُ برأيي أنه يُخبرنا نحن معاشر الأزواج أنَّ هذا هو طبع النساء وليس مسألة شخصية بين المرء وزوجته! فالزوجة حين تغضبُ وتُنكِرُ إحسان زوجها معها فالأمر له علاقة بطبعِها لا بزوجِها، وعندما يتفهَّمُ الأزواج هذا الطبع في النساء فالأجدرُ أن ينسوا كل الكلام الذي يتفوَّهنَ به لحظة غضبهنَّ، لأن الله سبحانه خلقهنَّ لوظيفة عظيمة هي تقديم الحُب، زوجةً وأماً، فكان من الطبيعي أن تغلبَ عليها عاطفتها، ولأن المرأة عاطفية، نسَّاءة للإحسان في ساعة الغضب، جعل الشرع الحكيم العصمة بيدِ الزوج لا بيد الزوجة، ولو كانتْ الزوجة هي التي تُطلِّق فلن يستمرَّ زواج أكثر من عام!
طبعاً هذا الكلام ليس تشجيعاً للنساء على كُفران العشير محكومات بطبعهنَّ، وإنما شرح للسبب الذي لأجله يكفرنَ العشير، وإلا لو كان مُبرِّراً أن ينساق كل إنسان إلى طبعه ما قام دين ولا دنيا، فاشتهاء الرجال للنساء لا يُبرِّر الزنا، وشهوة المال لا تُبرِّر السَّرقة، على الإنسان أن يُهذِّب طبعه، ولا ينساق وراء نزعاته الإنسانية فيتركها تقوده يميناً وشمالاً، وإنما كان الكلام نصيحة إذا ما وقع الفأس في الرأس، وانتهى الأمر، وليس حضَّاً على كُفران العشير، وإلا فإنه بنصِّ الحديث معصية شنيعة!
بالمقابل كُفران العشير ليس حِكراً على النساء وإن كُنَّ واقعات فيه أكثر من الرجال، وإلا فإن الواقع يشهد أن كثيراً من الأزواج يكفرون عشيراتهم، فتُحسنُ المرأة إليه عُمراً، تجدها تتحملُ معه الأيام الصعبة، تصبرُ على قِلة ذات يده، تفني نفسها في خدمته وخدمة أولاده، ثم إذا جرتْ الدنيا في يده، نسيَ معروفها معه! افهموا طباع بعضكم البعض، تجاهلوا وتغاضوا لتستمر البيوت، وتذكروا دوماً أن الله يُحب العبد الوفيَّ، وقد قالت العرب: الحُرُّ يقيده المعروف!
فكونوا أحراراً وتذكروا أن المعروف دَين، فسدِّدوا ديونكم!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
02/12/2021
2253