الحلمنتيشي بين الفصيح والمليح

يعقوب العبيدلي
سطورنا المدحرجة عن الشعر الحلمنتيشي الذي أطربني ببعض أبياته أخي وصديقي «بو عبد العزيز» ونحن متجهون لقضاء بعض الوقت في اللؤلؤة لاحتساء اللاتيه كافيه مع فطيرة التوست بالفاكهة، ومن محاسن مصاحبة الأخيار من الناس أن يردوك إلى نفسك، أو يؤنسوك بأحاديثهم الثرية، أو يعرفوك على ما تجهل من مستجدات، أو يقرضوك شعراً حلمنتيشياً كامل الدسم يبهج الفؤاد، ويشرح القلب، وينعش الروح، يقول (بوعبدالعزيز) هو نوع من الشعر الفكاهي أو المنولوجي، سمي بهذه التسمية نسبة إلى فرقة «حلمنتيش» التي كتبت هذا النوع من الشعر، وهو شعر جامع بين الألفاظ العامية والفصيحة، حيث يهدف إلى وصف حالة أو سلوك اجتماعي، أو حتى مشاعر خاصة بشكل هادف، ويتم الدمج فيه بين الكلمات العربية والشعبية وكلمات من لغة أخرى كالإنجليزية، ويأتي عادة في قالب خفيف لطيف، تهواه النفوس لأن فيه قدرا من الفكاهة والمداعبة الساخرة التي تأنس بها النفس وتحرك الحس، يقول (بو عبدالعزيز) إن الشعر الحلمنتيشي فيه مداعبات هزْلية، منها ما هي إصلاحية وانتقادية لأحوالنا الاجتماعية، ومن فرسان هذا النوع من الشعر أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وبيرم التونسي، وحسين شفيق، وياسر قطامش، وغيرهم الكثير، فمن شعر شوقي مقطوعة يسخر فيها من نفسه عندما وُلد ابنه البكر يقول فيها: «صار شوقي أبا علي، في زمان التّرللي، وجناها جناية، ليس فيها بأول»، ومن شعر حافظ ما عارض به شوقي ساخراً: «مال واحتجب، وادعى الغضب، ليت هاجري، يشرح السبب»، فيرد عليه الآخر قائلاً: «شال وانخبط، وادعى الغلط، ليت هاجري، يبلع الزلط» وللشاعر (ياسر قطامش) الذي يعد من أبرز شعراء الحلمنتيشي في عصرنا، وهو الأكثر تدوينًا في الشعر الحلمنتيشي والقصص الساخرة، ومن قصائده معارضته لقصيدة الأطلال (يا فؤادي لا تسل أين الهوى): حيث يقول: «يا فؤادي لا تسل أين الجنيه، إنه مات فقف وابكي عليه، اسقني واشرب على أطلاله، قهوة من أدمعي أو نسكافيه» كلمات تصل إلى القلوب بلغة سهلة يسيرة ومعانٍ وفيرة تناقش ما يفكرون ويتوجعون ويحلمون به، بأسلوب السهل الممتنع ونقصد به البسيط الذي لا يحمل تعقيدات لا تكلف فيه خارج من القلب ليصل إلى القلب، وما أحوجنا في هذا الزمان إلى عفوية غير مصطنعة، وابتسامة من القلب، وحب من القلب يرينا الجمال في كل شيء، ونعيش البساطة في كل شيء دون تكلف، ونأكل البطاطا مغمسة بالكاتشب، دون إسراف وتبذير، ودون إسفاف وتبرير، وعلى الخير والمحبة نلتقي.