+ A
A -
بقطع النظر عن تنظيمها كأس العرب التي تعدّ المنافسة العربية الرياضية الأبرز في كرة القدم فإن الدوحة قد تحوّلت منذ مدّة إلى ورشة نشطة للعمل الدؤوب، لا يتعلق الأمر بالمناسبات الرياضية أو الفنية أو السياسية أو غيرها بل يتعلّق أساسا بالقدرات التنظيمية من جهة والرؤية من جهة ثانية.
الدوحة لم تتغير في الحقيقة ولم تتبدّل رغم كل المنعرجات والهزات التي عرفتها المنطقة والإقليم خلال السنوات الأخيرة بل بقيت ثابتة على مبدأ التجميع بدل التفريق والتوحيد بدل التشرذم وهي الخيارات المركزية التي تأسست عليها رؤية القيادة وخيار الدولة، لكنّ قراءات أخرى ترى أنّ الدوحة قد تغيرت لا في الرؤية ومضامين الرؤية أو في المنهج بل في تصوّر الدوحة نفسها لطبيعة الدور الذي كانت تلعبه قبل عقد من الزمن.
قطر اليوم مفترق طرق للزعماء والقادة فمنها انتهت الحرب الأميركية على أفغانستان وعلى أرضها تقام أهم منصات الحوار بين الفرقاء في مختلف القضايا والملفات سواء منها العربية أو الدولية، لقد اختارت الدولة هذا النهج لإدراكها للدور الذي يمكن أن تنهض به وسط شلل العمل البينيّ العربي والصعوبات التي تواجه ملفات إقليمية كثيرة.
لا يخفى على أحد عودة الدفء البطيئة إلى العلاقات العربية بعد نهاية طور من أطوار التحرك السياسي الرسمي الذي واكب التحولات العربية الكبرى التي عرفتها المنطقة مشرقا ومغربا. هذا الطور الجديد هو طور إيجابي يمكن التأسيس عليه لأنّ التضامن العربي لم يعد خيارا بقدر ما هو حتمية تاريخية، لكنه من المبكّر الحكم على قدرة التحركات الأخيرة على امتصاص الأزمات السابقة وبناء أرضية صلبة قادرة على صياغة مشروع خليجي جديد.
اللافت في الأمر أن وعي قطر بهذه المعادلة هو الذي يفسر بدرجة كبيرة طبيعة المسارات التي خطتها الدولة ولم تتراجع عنها حتى في قلب الأزمات التي عصفت بالمنطقة، هذا السياق الجديد يدشّن طورا حادثا قد يستطيع إذا توفرت له شروط النجاح أن يحقق أقصى درجات التكامل الخليجي وأن يتجاوز كل الخلافات السابقة التي منعت قيام وحدة خليجية قادرة على أن تكون قاطرة المنطقة الشرقية والغربية برمتها. من مصلحة المنطقة وشعوبها وجيرانها أن تُصاغ فيها اليوم مرحلة تأسيس جديدة تراعي أول ما تراعي مصلحة الشعوب ومصلحة الأمة بشكل يضمن عدم تجدد أي شكل من أشكال الاحتقان أو التصعيد، وهو الأمر الذي سيسمح لاحقا بصياغة نهضة جماعية قادرة على إيقاف النزيف العربي والتحول إلى مرحلة البناء ووضع أسس السيادة الحقيقية.
بقلم: محمد هنيد
copy short url   نسخ
09/12/2021
1014