+ A
A -
دخلَ أبو طلحة الأنصاري يوماً على زوجتهِ أم سُليم فقال لها: قد سمعتُ صوتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً، أعرفُ فيه الجوع، فهل عندك شيء؟
فقالت: نعم، وأخرجتْ أقراصاً من شعير بالكاد تكفي ثلاثة رجال.
فأرسل أبو طلحة أنسَ بن مالكٍ ليدعو النبي صلى الله عليه وسلم، فذهبَ أنسٌ فوجده جالساً في المسجد ومعه الناس، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أرسلكَ أبو طلحة؟
فقال: نعم
فقال: أَلِطعام؟
فقال: نعم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن معه: قوموا!
ولما وصلوا إلى بيت أبي طلحة، قال أبو طلحة لأم سُليم مستغرباً هذا المأزق الذي هو فيه، الطعام قليل والضيوفُ كُثر: يا أم سُليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وليس عندنا ما نُطعمهم!
فقالتْ له: الله ورسوله أعلم.
فدخلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وحده، وأخذ الخبز من أم سُليم وفتَّه بيده الشريفة، ثم صبَّتْ عليه أم سُليم مرقاً من عندها، فلما خلطه، دعا بالبركة، وطلب من أبي طلحة أن يُدخل عليه عشرة رجال، فدخلوا وأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا فدخل عشرة غيرهم فأكلوا حتى شبعوا، وبقيَ على هذه الحال حتى دخل سبعون رجلاً كانوا رفقة النبي صلى الله عليه وسلم، فأكلوا جميعاً وخرجوا، والطعام على حاله!
انظُرْ لحُبِّ الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، عرفَ أبو طلحة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جائع من صوته، فذهبَ إلى بيته مسرعاً يبحثُ له عن طعام!
هكذا هم النبلاء، لمَّاحون يعرفون حاجات الناس من إشارات صغيرة، فيسارعون في قضائها، ويحفظون لهم كراماتهم، ويغنونهم عن السؤال والطلب!
كُنْ لمَّاحاً، زيارة لبيت صديق تكشف لكَ حاجةً لم يستطِعْ أن يبوح بها، تَغيُّرُ عادةٍ كان يفعلها فتوقف عنها تُنبئك أنه في ضيق، بعض الناس يعزُّ عليهم أن يطلبوا، وإن طلبوا فكنايةً وتلميحاً، كالمرأة التي دخلتْ على الأمير فقالتْ له: أشكو إليكَ قلة الفأر في بيتي!
فقال لها: ما أحسنَ كنايتكِ، ثم أعطاها ما يكفيها.
فرحمَ الله اللماحين، والذين يعرفون حاجات الناس من كناياتهم!
كان الطعام قليلاً، ثم ببركة يد النبي الشريفة حلّتْ به البركة، وأكل الجميع حتى شبعوا، والقليل الذي تحل فيه البركة خير من الكثير الذي تُنزع منه!
لا تنظرْ إلى قلة راتبك، ولكن تحسس البركة فيه!
عندما يمضي الشهر وليس في بيتك مريض يحتاجُ دواءً فهي البركة!
وعندما يمضي الشهر ولا تستدين فهي البركة!
وعندما تجد أولادكَ حولك يسارعون في برِّك فهي البركة!
وعندما تجد زوجتك تسعى في رضائك ووصلك فهي البركة!
كان عمر بن الخطاب يقول: إني لا أسأل الله الرزق، فقد فرغَ من قسمته، ولكني أسأله البركة فيه!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
12/12/2021
1689