جاءت امرأةٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالتْ: يا رسول الله، ذهبَ الرِّجال بحديثك، فاجعلْ لنا من نفسِكَ يوماً نأتيكَ فيه، تُعلمنا مما علَّمك الله.
فقال: اجتمِعْنَ في يوم كذا، في مكان كذا.
فاجتمَعْنَ.. فأتاهُنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فعلمَهُنَّ، ووعظَهُنَّ، ثم قال: ما منكنَّ من امرأة تُقدِّم بين يديها من وَلدها ثلاثة، إلا كانوا لها حجاباً من النار أي لا يموتُ لامرأة ثلاثة من أولادها في حياتها فصبرتْ واحتسبتْ إلا حرَّمها الله تعالى من النار.
فقامتْ امرأةٌ فقالتْ: يا رسول الله واثنين؟
فقال: واثنين، واثنين، واثنين!
في الحديث درسان مهمان:
الأول: حرص المسلمات الأوليات على التفقه في الدين، فهذه المرأة جاءت تطلبُ أن يكون للنساء مجلس خاص لهُنَّ يتعلمنَّ فيه من النبيَّ صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يتعارض أبداً أن تقوم المرأة بأمر بيتها وأن تتفقه في دينها، وقد عرفتْ هذه الأمة عشرات النساء الفقيهات منهن على سبيل المثال لا الحصر:
- زينب بنت أحمد التي كانت ضليعة في مذهب أبي حنيفة وقد درسَ عندها ابن خلدون حين جاء إلى دمشق..
- كريمة المروزية كانت متقنة لصحيح البخاري وقد حضرَ مجلسها في المسجد الحرام علماء كثر منهم الخطيب البغدادي..
- ومن شيخات ابن القيم ست الكتبة نعمة علي الطراح، وكريمة عبد الوهاب القرشية..
- وقد روى ابن تميمة الحديث عن أم العرب فاطمة بنت أبي القاسم بن عساكر..
- وذكر ابن الجوزي أنه سمع الحديث من ثلاث نسوة، وأورد بسنده ثلاثة أحاديث عن كل واحدة منهنَّ حديثاً.
يمكن للمرأة أن تهتم بأنوثتها ودينها، ويمكن أن تكون أُماً وحافظة للقرآن متقنة للتجويد، فتفقهنَ يرحمكنَّ الله!
الثاني: هذه الدنيا دار فقد وكدر ومشقة، ما منا إلا وقد ودَّع حبيباً إلى قبره، وكلنا نهاية المطاف سيودعنا أحباؤنا، وإن السخط على قدر الله لا يُغيّر من الواقع شيئا، وإنما يزيد في الحزن ويُفسد الدين والأجر، أما الصبر فنهايته الجبر، فلكل من فقد حبيباً، للأم التي فقدتْ الابن، وللأب الذي فقد البنت، وللولد الذي فقد الأم أو الأب، تصبروا يصبركم الله، الفقد عزيز نعم، والموت أليم هذا حق، ولكن المؤمن مأمور أن يرضى عن الله في كل أقداره، وتعزوا عن كل فقد بفقد النبي صلى الله عليه وسلم، فكل عزيز بعده يهون!
بقلم: أدهم شرقاوي