+ A
A -
كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يقُصَّ على أصحابه من أخبار الأولين، وهذا من بليغ حكمته لأنه يعرفُ أن القصّة مطيَّة سريعة لإيصال المُراد، فقال لهم مرةً يُحدِّثهم:
اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجلٌ ممن خلا قبلكم تعبَّدَ، فعشقته امرأة غويَّة، فأرسلتْ إليه جاريتها، فقالت له: إنَّا ندعوك للشهادة.
فانطلقَ مع جاريتها، فطفقتْ كلما دخلَ باباً أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأةٍ وضيئة، عندها غلام، وباطية خمر!
فقالتْ: إني واللهِ ما دعوتكَ للشهادة، ولكن دعوتكَ لتقعَ عليَّ، أو تشربَ كأساً من هذه الخمر، أو تقتل هذا الغلام!
قال: اِسقني من هذا الخمر كأساً
فسقته كأساً
فقال: زيديني
فلم يلبث أن وقع عليها، وقتل الغلام!
فاجتنبوا الخمر، فإنها واللهِ لا يجتمعُ الإيمان وإدمان الخمر، إلا ليوشك أن يُخرجُ أحدُهما صاحبه!
لما وصلَ عبد الرحمن الداخل صقر قريش إلى الأندلس جاؤوه بزقٍ فيه خمر فقال لهم: إني بحاجةٍ إلى ما يزيدُ في عقلي لا ما يُنقصه!
خلق الله تعالى النَّباتَ فيه حياة ولكن دون روح وعَقل، وخلقَ الحيوانات فيها حياة وروح ولكن دون عَقل، وخلقَ الإنسان فيه حياة وروح وعقل.
فالحيوان أعلى رُتبةً في الخلق من النبات بالروح، والإنسان أعلى رُتبة في الخلق من الحيوان بالعقل. فالذي يشربُ الخمرَ ويُذهب عقله بيديه إنما ينحَدر بنفسه من درجة الإنسانية إلى درجةٍ الحيوانيّة. فما الفارق بينهما إلا العقل، وقد قام هذا بتغييب عقله!
هذه الدنيا مليئة بالاختبارات، والإنسان يُبتلى بما يكره وبما يُحبُّ، فالإنسان يكره المرضَ والفقرَ، ولكنه قد يُبتلى بهما، ليرى الله سبحانه ما يفعل عبدُه بهذا البلاء يصبرُ أم يكفر!
والإنسان يُحبُّ المال والنساء، وقد يُبتلى بهما، لينظر الله سبحانه وتعالى ما يفعل عبده، أيحمدُ ويشكر، أم يزيغ ويهلك.
وبرأيي إن بلاء الإنسان بما يكره، أسهل من بلائه بما يُحبُّ، والسبب أن الإنسان إذا ابتليَ بالفقر أو المرض تنكسرُ نفسه، وانكسار النفس مدعاة للقرب من الله. أما الابتلاء بما يُحبُّ المرء، فمدعاة إلى الطغيان، وما خبر قارون منكم ببعيد!
وإني أكاد أقسِمُ أن صبرَ يوسف عليه السلام على امرأة العزيز حين دعته إليها كان أشقَّ من صبره حين أُلقيَ في الجُبِّ، فالجُبُّ قدرٌ وقع عليه ولم يختره، أما عند زليخة فكان عليه أن يُجاهد نفسه، وقد تكاملتْ لديه كل مسببات الوقوع بالإثم: فهو شاب أعزب، وهي امرأة جميلة، وهي سيدة القصر وهو يعيش في كنفها وعليه طاعتها، وهي غلقت الأبواب وهو آمن من الفضيحة. ويا له من امتحان، فسبحان من أراه البرهان، وصرف عنه السوء والفحشاء!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
16/12/2021
1607