+ A
A -
منذ الشباب وحتى اليوم كانت متابعاتي كأحد محبي غناء عبدالكريم عبدالقادر تقف عند محطاته، لا أعرف لماذا كانت هناك جاذبية للحن والكلمة في أغنياته، لكني كنتُ أشعر بأن هناك مذهبا خاصا لعبدالكريم عبدالقادر في فنه، في اللقاء الأخير الذي خرج به في برنامج المقابلة مع الإعلامي القدير علي الظفيري، لفت نظري تحديد بو خالد للونه الفني بأنه الرومانسي بلحنٍ حزين.
هو بالضبط ما نشعره في غناء عبدالكريم المرهف دون تكسّر، العميق دون صخب الإيقاع أو ضجيج الكليب أو انحطاط المفردة، لكن رائعة (غريب) كانت تنحت في هذا المعنى (الرومانسية والحزن)، ولأن الغرباء في المهجر أشد تذوقاً للمعنى كانت مُصدّرة لديهم، وقبل أن يُحدد بو خالد رمزية عطائه فيها كانت حاضرة لدي، ولا تزال تقرع في ذاكرتي وفي مذياعي.
وصلت لنا أنباء بو خالد المرابط الثابت في غزو الكويت، اهتممت بالخبر، بدوره في المقاومة المدنية وتناقل المصالح المعيشية للمرابطين، رجل ثابت بين قومه ساجد قائم في صفوف المصلين، لكنني كنت أُريد أن أفهم معادلة أخرى عن عبدالكريم عبدالقادر، فكان حديثه في المقابلة لحظة التبيان، عبدالكريم يؤمن بمفهوم الالتزام القيمي، وهو ليس ذلك الالتزام الذي يتخندق حول عصبية دينية أو اجتماعية متشددة، ولكن في كليات الحياة للإنسان العربي في هذا الخليج أو حيث امتد وطننا العربي الكبير.
حسم بو خالد بين خيارين هل هو فنان محترف أم هاو؟
أصر أنه هاو، كيف يكون ذلك لفنان قدير عريق مثل عبد الكريم عبد القادر؟
أوضح هنا مسألة مهمة أشار فيها إلى أن الاحتراف في عالم الفن يخضع لهيمنة رأسمالية سيطرت عليه منذ زمن، وأن ذلك يجعل الفنان أداة في المشروع، الذي يسابق الزمن لجذب الجمهور بأي طريقة كانت، ودون أي عرف أخلاقي أو التزام قيمي، ولذلك قرر عبدالكريم عبدالقادر أن يَبقى شريكاً في صناعة الفن الراقي، وأن الغناء هنا وإن كان رسالة لكنه يخضع لموقفه الفكري وهواه فيه، وليس لهذه الصناعة
هنا عبدالكريم يبرز بوضوح بأنه ليس مغنياً فقط، ولكنه صاحب رسالة فنية لها فلسفتها وخاصة في ذاكرة أهل الخليج العربي، وأنه مؤتمنٌ على هذه الرسالة، ولا يهمه صخب الأسواق الذي ينتشر دون حضوره، وأقول هنا لأبي خالد لا حاجة لك بتلك الأسواق، ستظل أنت رائداً يسعى لك أهلك ومحبيك، يسوقون لك سمعهم أينما كنت بلحنك الغريب القريب.
أكد عبدالكريم في حوار البرنامج أن حياته الاجتماعية ممتدة في هذا السياق، وأنه أنشأ منزله العامر على هضبة القيم التي آمن بها، ولم يجد حرجاً من إعلان ذلك، واثق الخطوات واضح المبدأ، وهكذا هم الكبار، وشدني أُنسه بأن أول صوته الغنائي كان في مدح الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.
ثم إن عبدالكريم رفض أن يوجه صوته خارج التراث الشعبي للخليج العربي، وهنا ليس المقصود فن الشعبيات وفنانيها مع كامل الاحترام لهم، وإنما قصد بو خالد أن هذه البيئة التاريخية الاجتماعية لساحل الخليج العربي، تملك لحناً عذبا وصوتاً من الزمن البعيد، متلون مع الصحراء مع النخيل مع عمق البحر البعيد.
هي بذاتها تعزف سمفونيتها فتربط الفن بين الأصل والتجديد، وبالضبط هكذا جمعتنا هذه المدرسة التي شارك فيها شادي الخليج وغيره من هذه المدرسة، كإبراهيم حبيب وفرج عبدالكريم رحمه الله وغيرهم.
أخذنا بو خالد إلى رحلة الفن في حياتنا، جدد مشاعر الطرب في ثوبها الأصيل، أعاد الذكرى لمفهوم التسامح في الحياة الاجتماعية للخليج العربي، التي نحتاجها اليوم ونحن مؤمنون جميعاً بمفرزة بو خالد القيمية، وهذا لا يقتضي أن تتطابق مواقفنا ومبادئنا وقناعاتنا، لكن ذلك يجب ألا يقيم بيننا سدوداً وأن حياة الناس تحتاج مساحات للفنون وللترفيه، لكنه ترفيه لا يُسقط الشعوب ولا يهوي بالمجتمع في الرذائل. حمداً لله على سلامتك بو خالد وقرة أعين الأسرة الصغيرة في عائلتك، وحيث كانت أُسرة محبيك من الكويت إلى المحيط.مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل -
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةبقلم: مهنا الحبيل
هو بالضبط ما نشعره في غناء عبدالكريم المرهف دون تكسّر، العميق دون صخب الإيقاع أو ضجيج الكليب أو انحطاط المفردة، لكن رائعة (غريب) كانت تنحت في هذا المعنى (الرومانسية والحزن)، ولأن الغرباء في المهجر أشد تذوقاً للمعنى كانت مُصدّرة لديهم، وقبل أن يُحدد بو خالد رمزية عطائه فيها كانت حاضرة لدي، ولا تزال تقرع في ذاكرتي وفي مذياعي.
وصلت لنا أنباء بو خالد المرابط الثابت في غزو الكويت، اهتممت بالخبر، بدوره في المقاومة المدنية وتناقل المصالح المعيشية للمرابطين، رجل ثابت بين قومه ساجد قائم في صفوف المصلين، لكنني كنت أُريد أن أفهم معادلة أخرى عن عبدالكريم عبدالقادر، فكان حديثه في المقابلة لحظة التبيان، عبدالكريم يؤمن بمفهوم الالتزام القيمي، وهو ليس ذلك الالتزام الذي يتخندق حول عصبية دينية أو اجتماعية متشددة، ولكن في كليات الحياة للإنسان العربي في هذا الخليج أو حيث امتد وطننا العربي الكبير.
حسم بو خالد بين خيارين هل هو فنان محترف أم هاو؟
أصر أنه هاو، كيف يكون ذلك لفنان قدير عريق مثل عبد الكريم عبد القادر؟
أوضح هنا مسألة مهمة أشار فيها إلى أن الاحتراف في عالم الفن يخضع لهيمنة رأسمالية سيطرت عليه منذ زمن، وأن ذلك يجعل الفنان أداة في المشروع، الذي يسابق الزمن لجذب الجمهور بأي طريقة كانت، ودون أي عرف أخلاقي أو التزام قيمي، ولذلك قرر عبدالكريم عبدالقادر أن يَبقى شريكاً في صناعة الفن الراقي، وأن الغناء هنا وإن كان رسالة لكنه يخضع لموقفه الفكري وهواه فيه، وليس لهذه الصناعة
هنا عبدالكريم يبرز بوضوح بأنه ليس مغنياً فقط، ولكنه صاحب رسالة فنية لها فلسفتها وخاصة في ذاكرة أهل الخليج العربي، وأنه مؤتمنٌ على هذه الرسالة، ولا يهمه صخب الأسواق الذي ينتشر دون حضوره، وأقول هنا لأبي خالد لا حاجة لك بتلك الأسواق، ستظل أنت رائداً يسعى لك أهلك ومحبيك، يسوقون لك سمعهم أينما كنت بلحنك الغريب القريب.
أكد عبدالكريم في حوار البرنامج أن حياته الاجتماعية ممتدة في هذا السياق، وأنه أنشأ منزله العامر على هضبة القيم التي آمن بها، ولم يجد حرجاً من إعلان ذلك، واثق الخطوات واضح المبدأ، وهكذا هم الكبار، وشدني أُنسه بأن أول صوته الغنائي كان في مدح الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.
ثم إن عبدالكريم رفض أن يوجه صوته خارج التراث الشعبي للخليج العربي، وهنا ليس المقصود فن الشعبيات وفنانيها مع كامل الاحترام لهم، وإنما قصد بو خالد أن هذه البيئة التاريخية الاجتماعية لساحل الخليج العربي، تملك لحناً عذبا وصوتاً من الزمن البعيد، متلون مع الصحراء مع النخيل مع عمق البحر البعيد.
هي بذاتها تعزف سمفونيتها فتربط الفن بين الأصل والتجديد، وبالضبط هكذا جمعتنا هذه المدرسة التي شارك فيها شادي الخليج وغيره من هذه المدرسة، كإبراهيم حبيب وفرج عبدالكريم رحمه الله وغيرهم.
أخذنا بو خالد إلى رحلة الفن في حياتنا، جدد مشاعر الطرب في ثوبها الأصيل، أعاد الذكرى لمفهوم التسامح في الحياة الاجتماعية للخليج العربي، التي نحتاجها اليوم ونحن مؤمنون جميعاً بمفرزة بو خالد القيمية، وهذا لا يقتضي أن تتطابق مواقفنا ومبادئنا وقناعاتنا، لكن ذلك يجب ألا يقيم بيننا سدوداً وأن حياة الناس تحتاج مساحات للفنون وللترفيه، لكنه ترفيه لا يُسقط الشعوب ولا يهوي بالمجتمع في الرذائل. حمداً لله على سلامتك بو خالد وقرة أعين الأسرة الصغيرة في عائلتك، وحيث كانت أُسرة محبيك من الكويت إلى المحيط.مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل -
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةبقلم: مهنا الحبيل