لما كانتْ غزوة تبوك ووافقت من المسلمين ساعة عُسرة، ولم يكن لدى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما يُجهِّز به الجيش، أمر الأثرياء بالصدقة، وأمرَ عامة المسلمين أن يُجهِّز كل شخصٍ نفسه. وفي هذه الأثناء أرسل جماعة من فقراء المسلمين أبا موسى الأشعري إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون منه أن يُجهزّهم، فجاءه أبو موسى وقال: يا نبيَّ الله إن أصحابي أرسلوني إليكَ لتحملهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: واللهِ لا أحملكم على شيء! يقول أبو موسى: فوافقته/ وجدته ساعتها وهو غضبان، ورجعتُ حزيناً من منعهِ لنا، ومن مخافة أن يكون قد وجدَ في نفسه عليَّ، فرجعتُ إلى أصحابي فأخبرتهم بما قال، فلم تمضِ ساعة حتى جاء بلال بن رباح ونادى: يا عبد الله بن قيس/ اسم أبي موسى أجِبْ رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يدعوك، فلما جاء أبو موسى أعطاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما يركبُ عليه هو وأصحابه في الغزوة، فرجع أبو موسى إلى أصحابه ففرحوا بذلك، وتجهزوا للمسير إلى تبوك.

كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم غاضباً لله لأنه شقَّ عليه أن لا يجد ما يحمل الناس عليه، فلما هدأ، وصار عنده ما تقر به عينه أرسل إلى أبي موسى.

وفي هذا درس مهم للزوجة إذا علمتْ قلة ذات يد زوجها أن لا تزيد في طلباتها وتثقل كاهله، لأن ذلك يمكن أن يسوِّد معيشته التي هي سوداء أساساً بسبب فقره وقلة ماله، ليس هناك أصعب على الحُر من أن يكون من الواجب عليه أن يُنفق ثم لا يجد! وما يجب على الزوجة من الصبر وعدم الإكثار من الطلب واجب على الأولاد أن يُراعوا أحوال أبيهم وأمهم وأن لا يشعرونهم بالعجز والضعف، يكفي ما يشعران هما به من تلقاء أنفسهم، فترفقوا!

ما من إنسان إلا وتمرَّ به ساعات غضب، يخرج فيها عن طوره، ويقول أو يفعل ما لم يكن ليقوله أو يفعله في ساعة رضاه، ولكن النبلاء إذا ما هدأوا أسرعوا يصلحون ما كان منهم ساعة الغضب دون حرج، فها هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم يرسلُ في طلب أبي موسى ويعطيه ما سأله إياه، وها هو موسى عليه السلام عندما عاد إلى بني إسرائيل ووجدهم يعبدون العجل الذي صنعه لهم السامري غضب لله، ومن شدة غضبه ألقى الألواح التي كُتبتْ فيها التوراة، فلما هدأ، وعاد إلى طبعه، كان أول شيء فعله أن أخذ الألواح، وفي هذا يقول الله تعالى: «وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ»لا تُخطئ مرتين، مرة حين تغضب، ومرةً حين يمنعكَ الكبر أو عزة النفس أن لا تصلح ما أفسدتَ ساعة غضبك!
بقلم : أدهم الشرقاوي