+ A
A -
جاء سليمان بن عبد الملك من الشام يريدُ مكة، فمرَّ بالمدينة المنورة وأقام فيها أياماً، وفي أحد أيام إقامته قال لمن عنده: هل بالمدينة أحدٌ أدركَ أحداً من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟
فقالوا له: أبو حازم، سلمة بن دينار، وكان لقيَ عبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر فأرسل في طلبه، ولما دخلَ عليه، قال له سليمان: ما هذا الجفاء يا أبا حازم؟
فقال له: وأيَّ جفاءٍ رأيتَ مني يا أمير المؤمنين؟
فقال سليمان: أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني..!
فقال له: يا أمير المؤمنين أعيذك باللهِ أن تقول ما لم تكن رأيتني قبل اليوم، ولا رأيتُكَ، فأين جفاء رجلين لا يعرفُ أحدهما الآخر!
فقال سليمان: يا أبا حازم ما بالنا نكره الموت؟
فقال له: لأنكم خرَّبتم الآخرة، وعمرتم الدنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب!
فقال سليمان: فكيف القدوم غداً على الله يا أبا حازم؟
فقال له: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيءُ فكالعبد الآبق عاد إلى سيده!
فقال سليمان: فأين تجدني؟
فقال له: اعرضْ نفسكَ على كتاب الله تعرف مكانك: «إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ»
فقال سليمان: يا أبا حازم فأيُّ عباد الله أكرم عليه؟
فقال له: أولو المروءة والنُهي
فقال سليمان: فأي الأعمال أفضل؟
فقال له: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم
فقال سليمان: فأي الدعاء أسمع؟
فقال له: دعاء المحسن إلى المحسن!
فقال سليمان: فأي الصدقة أفضل؟
فقال له: للسائل البائس، وجهد المُقِلِّ، ليس فيها مَنٌّ ولا أذى!
فقال سليمان: فأي القول أعدل؟
فقال له: قول الحق عند من تخافه وترجوه!
فقال سليمان: فأي الناس أعقل؟
فقال له: من عمل بطاعة الله، ودلَّ الناس عليها.
فقال سليمان: فأي الناس أحمق؟
فقال له: رجل يمشي في هوى صاحبه وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره.
فقال سليمان: ما بقيَ مثلكَ يا أبا حازم!
قصة عظيمة، لو أردنا أن نتوقف عند كل جملةٍ فيها ما كفاها كتاب كامل ليفيها حقَّها، ولكن حسب القلادة ما أحاطتْ بالعُنق!
ما بالنا نكره الموت؟
في الحقيقة لا يوجد إنسان يحبُّ الموت، المؤمن والفاجر كلاهما يُحِبُّ الحياة، ولكن شتَّان بين من يكره الموت لأنه ليس له في الحياة إلا هوىً يتبعه، أو شهوة يقضيها، أو مال يجمعه، أو سلطة يتجبر فيها على العباد! وبين من يكره الموت لأنه خائف وجِلٌ من اللهِ سبحانه، إذا تذكرَّ ذنوبه ارتعدَ وخاف، وخجل أن يلقى الله فلا يغفر له، ثم إذا قارنَ رحمة الله بذنوبه، عرف أن رحمة الله راجحة فهان عليه ما يجد، ومثل هذا يبقى بين الخوف والرجاء وهذا هو الإيمان!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
26/12/2021
1807